(٨/ ١٤٤٣)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٧/ ١٤٠)، و (ابن عساكر) في "تاريخه"(١٣/ ٤٥٩ و ٦٩/ ١٤٧)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في الكلام على هذا الحديث:
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-؛ ظاهر هذا الحديث أن أبا سفيان أنكح ابنته النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد إسلامه، وهو مخالف للمعلوم عند أهل التواريخ والأخبار، فإنَّهم متفقون على أنَّ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوَّج بأمِّ حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وقبل إسلام أبيها، وإنَّ أبا سفيان قَدِم قبل الفتح المدينة طالبًا تجديد العهد بينه وبين رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنه دخل بيت أم حبيبة ابنته، فأراد أن يجلس على بساط رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنزعته من تحته، فكلَّمها في ذلك، فقالت: إنَّه بساط رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنت مشرك! فقال لها: يا بنية لقد أصابك بعدي شرّ، ثم طلب من عليّ، ومن فاطمة، ومن غيرهما أن يكلموا النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلح، فأبوا عليه، فرجع إلى مكة من غير مقصود حاصل، وكل ذلك معلوم لا شك فيه، ثم إن الأكثر من الروايات والأصح منها: أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج أم حبيبة، وهي بأرض الحبشة، وذلك أنها كانت تحت عُبيد الله (١) بن جحش الأسديّ، أسد خزيمة، فولدت له حبيبة التي كنيت بها، وأنها أسلمت وأسلم زوجها عبد الله بن جحش، وهاجر بها إلى أرض الحبشة، ثم إن زوجها تنصَّر هناك، ومات نصرانيًّا، ثم إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبها، وهي بأرض الحبشة، فبعث شُرَحبيل بن حسنة إلى النجاشيّ في ذلك.
روى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن عمرو: أن أم حبيبة قالت: ما شَعَرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشيّ جارية يقال لها: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودُهنه، فاستأذنت عليَّ، فأذِنْت لها، فقالت: إن الملِك يقول لك: إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب أن أزوِّجَكِه، فقلت: بارك الله بخير، وقالت: يقول لك الملِك: وكّلي من يزوجك، فأرسلتُ إلى خالد بن سعيد، فوكّلته،
(١) وقع في النسخة "عبد الله" مكبرًا، وهو غلط، فإن عبد الله المكبّر أخ لعبيد الله المصغّر، وكان من أفاضل الصحابة، ولم يتنصّر، وإنما الذي تنصّر، ومات نصرانيًّا في الحبشة، فهو عبيد الله المصغّر، فتنبّه.