(تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ)؛ أي: يكتب الوحي لك أمامك، (قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ("نَعَمْ").
ثم ذكر الثالثة، فـ (قَالَ: وَتُؤَمِّرُنِي) من التأمير؛ أي: تجعلني أميرًا على جيش (حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ، كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " (نَعَمْ") استُشكل هذا أيضًا بأنه لَمْ يثبُت أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّر أبا سفيان بعد ذلك في حرب من الحروب، وهذا هو السبب الثانيا لردّ ابن حزم هذا الحديث، فإن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يُتصوّر منه أن يُخلف في وعده.
ولكن الحقّ أنه لا يكفي دليلًا لكون هذا الحديث موضوعًا، فإن هناك احتمالات مختلفة؛ منها: أن يكون رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمّره على بعض السرايا الصغيرة، ولم يُنقل إلينا.
ومنها: أن يكون -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرتقب فرصة مناسبة لتأميره، ولم يجد ذلك حتى سَبَقه الأجل.
ومنها: أنه ظهر له مانع شرعيّ حال دون تأميره، وفي مثل هذه الحالة لا يجب الوفاء بالوعد، والله تعالى أعلم (١).
(قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ) سماك بن الوليد، وهو موصول بالإسناد السابق، وليس معلّقًا، فتنبّه. (وَلَوْلَا أَنَّهُ)؛ أي: أبا سفيان (طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَعْطَاهُ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذَلِكَ)، وإنما أعطاه (لأَنَّهُ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لَمْ يَكُنْ يُسْئَلُ) بالبناء للمفعول، (شَيْئًا إِلَّا قَالَ:"نَعَمْ")؛ يعني: من شِيَم النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يردّ سائلًا، فلذا أعطى أبا سفيان ما سأله، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤٠/ ٦٣٨٩](٢٥٠١)، و (الطبرانيّ) في "الكبير"(١٢/ ١٩٩)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٧٢٠٩)، و (ابن أبي عاصم) في "الآحاد والمثاني"(١/ ٣٦٤ و ٥/ ٤١٨)، و (اللالكائيّ) في "اعتقاد أهل السُّنَّة"