ماتت سنة اثنتين، أو أربع، وقيل: تسع وأربعين، وقيل: خمسين، تقدّمت ترجمتها في "المساجد ومواضع الصلاة" ٣/ ١١٨٦. (أُزَوِّجُكَهَا) سيأتي الكلام عليه، (قَالَ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ("نَعَمْ")؛ أي: زوِّجنيها.
هذا الجزء من الحديث مشكلٌ جدًّا؛ لأنَّ ظاهره أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما تزوّج أم حبيبة -رضي الله عنها- بعد إسلام أبي سفيان، وبعد فتح مكة، مع أن الثابت بالروايات المتظاهرة أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوّجها قبل ذلك بزمان طويل، وإنما تزوّجها، وهي بأرض الحبشة، وقد صحّ أن أبا سفيان قَدِم إلى المدينة لتجديد العهد مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فدخل على أم حبيبة، وأراد أن يجلس على بساط رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنزعته من تحته، وهذا كلّه قبل إسلامه.
ومن أجل هذا ادّعى ابن حزم أن هذا الحديث موضوع، وأن آفته عكرمة بن عمّار.
وردّ عليه آخرون في تسارعه إلى الحكم بالوضع، وذهبوا إلى أن الحديث صحيح، ولكن وَهِم عكرمة بن عمّار في هذا الجزء من الحديث.
وأوّله بعضهم بأن أبا سفيان إنما أراد بعد إسلامه أن يُجدّد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العقد مع أم حبيبة، ويتزوّجها من جديد بولاية أبيها أبي سفيان، وذلك لأن النكاح السابق كان بغير وساطته، فزعم أبو سفيان أنه عيب له، فأراد أن يزيل هذا العار.
وأما قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نعم" فليس المراد منه أنه أقرّ بتجديد العقد، فإنه لم يثبت ذلك منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما المراد أن المقصود حاصلٌ بالنِّكَاح السابق.
وهذا لا يستسيغه ظاهر لفظ الحديث، ولكنه يحتمل أن يكون قد وَهِمَ فيه أحد الرواة عند الرواية بالمعني، قاله في "التكملة"(١)، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة الثالثة -إن شاء الله تعالى-.
ثم ذكر الثانية، فـ (قَالَ) أبو سفيان: (وَمُعَاوِيَةُ) بن أبي سفيان ولده، أبو عبد الرَّحمن الخليفة الصحابيّ، أسلم قبل الفتح، وكتب الوحي، ومات في رجب سنة ستين، وقد قارب المائة، تقدّمت ترجمته في "الصلاة" ٨/ ٨٥٨.