وهاجر إلى الحبشة، فأسلم النجاشيّ، ومن تبعه على يديه، وأقام جعفر عنده، ثم هاجر منها إلى المدينة، فقَدِم، والنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيبر، وكل ذلك مشهور في المغازي، بروايات متعددة صحيحة.
وروى البغويّ، وابن السكن، من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: لَمّا قَدِم جعفر، وأصحابه استقبله رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَّل ما بين عينيه، وروى ابن السكن من طريق مجالد، عن الشعبيّ، عن عبد الله بن جعفر، قال: ما سألت عليًّا فامتنع، فقلت له: بحقّ جعفر إلا أعطاني.
استُشهِد بمؤتة من أرض الشام مقبلًا غير مُدْبِر، مجاهدًا للروم في حياة النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة ثمان في جمادى الأولى، وكان أسنّ من عليّ بعشر سنين، فاستوفى أربعين سنة، وزاد عليها على الصحيح.
قال ابن إسحاق: حدّثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، حدّثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مُرّة بن عوف، قال: والله لكأني انظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة اقتَحَم عن فرس له شقراء، فعقرها، ثم تقدّم فقاتل حتى قُتل، أخرجه أبو داود من هذا الوجه.
وقال ابن إسحاق: هو أول من عَقَر في الإسلام، وروى الطبرانيّ من حديث نافع، عن ابن عمر قال: كنت معهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفرًا، فوجدنا فيما أقبل من جسمه بضعًا وتسعين، بين طعنة ورَمْية، قال النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رأيت جعفرًا يطير في الجَنَّة مع الملائكة"، رَوَى ذلك الطبرانيّ من حديث ابن عباس، وفي الطبرانيّ أيضًا من طريق سالم بن أبي الجعد قال: أُري النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعفرًا ملَكًا ذا جناحين مضَرَّجين بالدماء، وذلك لأنه قاتل حتى قُطعت يداه.
وفي "الصحيح" عن ابن عمر؛ أنه كان إذا سَلَّم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
وروى الدارقطنيّ في "الغرائب" لمالك بإسناد ضعيف عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع رأسه إلى السماء، فقال:"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، فقال الناس: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ قال:"مَرّ بي جعفر بن أبي طالب في ملإ من الملائكة، فسَلَّم عليّ".