للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قُلْتَ) بفتح التاء خطابًا لعمر -رضي الله عنه-، (لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَحْنُ كنَّا نُؤْذَى) بالبناء للمفعول، وكذا قولها: (وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَسْأَلُهُ، وَوَاللهِ لَا أَكْذِبُ، وَلَا أَزِيغُ)؛ أي: لا أميل (وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ) أبو موسى: (فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ) أسماء: (يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا)؛ أي: قوله: "سبقناكم. . . إلخ"، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يعني: في الهجرة، لا مطلقًا، وإلا فمرتبة عمر -رضي الله عنه-، وخصوصية صحبته للنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معروفة، بدليل قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أهل السفينة هجرتان"، وسبب ذلك أن عمر وأصحابه -رضي الله عنهم- هاجروا من مكة إلى المدينة هجرة واحدة في طريق واحد، وهاجر جعفر وأصحابه -رضي الله عنهم- إلى أرض الحبشة، وتركوا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة، ثم إنهم لما سمعوا بهجرة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة ابتدؤوا هجرة أخرى إليه، فتكرر الأجر بحسب تكرار العمل، والمشقة في ذلك. انتهى (١).

(وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أنتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ) بنصب "أهلَ" على الاختصاص، أَو على حذف حرف النداء، ويجوز الجر على البدل من الضمير. (هِجْرَتَانِ") زاد أبو يعلى: "هاجرتم مرتين: هاجرتم إلى النجاشيّ، وهاجرتم إليّ"، ولابن سعد بإسناد صحيحٍ، عن الشعبيّ: "قال: قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله، إن رجالًا يفخرون علينا، ويزعمون أنّا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال: بل لكم هجرتان: هاجرتم إلى أرض الحبشة، ثم هاجرتم بعد ذلك"، ومن وجه آخر عن الشعبيّ نحوه، وقال فيه: "كَذَب من يقول ذلك"، ومن وجه آخر عنه: "قال: يقول: للناس هجرة واحدة".

قال في "الفتح": وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين، لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق، بل من الحيثية المذكورة، وهذا القَدْر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس، وقد تقدم في "الهجرة" بهذا الإسناد، من رواية أبي موسى، لا ذِكر للنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه، وكذلك


(١) "المفهم" ٦/ ٤٦٠.