قوله:(مِنْ مُحْسِنِهِمْ)؛ أي: اقبلوا الإحسان ممن أحسن منهم، (وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ"). وفي بعض النسخ: "عن سيّئاتهم"؛ أي: تجاوزوا عن إساءة من أساء منهم؛ لأنهم أهل ذلك، فإن الله -سبحانه وتعالى- وَعَد المؤمنين أن يقبل منهم الإحسان، وتجاوزوا عن السيّئات، فقال -عز وجل-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦)} [الأحقاف: ١٦]، فينبغي للمسلمين، ولا سيّما ولاة الأمور أن يعاملوا الأنصار، بل وغيرهم من المسلمين هذه المعاملة، وهذا لا يقتضي أن يعفوا عما يوجب الحدود، بل هو قاصر على ما لم يبلغ الحدود، وحقوق الناس، من المخالفات.
٤ - (ومنها): إقالة عثرات ذوي الهيئات؛ إذا لم يبلغ الحدود، أو يتعلّق بحقوق الناس، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤٣/ ٦٣٩٩](٢٥١٠)، و (البخاريّ) في "مناقب الأنصار" (٣٧٩٩ و ٣٨٠١)، و (الترمذيّ) في "المناقب" (٣٩٠٧)، و (النسائيّ) في "الكبرى" (٥/ ٨٧ و ٩١)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (٦/ ٣٧١)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (٦/ ٣٩٩ و ٧/ ٤١٨)، و (أحمد) في "مسنده" (٣/ ١٧٦ و ٢٧٢)، و (ابن أبي عاصم) في "الآحاد والمثاني" (٣٣٢)، و (الحميديّ) في "مسنده" (٢/ ٥٠٥)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (٢/ ١١٩) و"الصغير" (٢/ ٢٢١) و"الكبير" (١/ ٢٠٤)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (٥/ ٣٥١ و ٤٧٦)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان فضل الأنصار -رضي الله عنهم- حيث جعلهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من خواصّه، ومواضع سرّه.
٢ - (ومنها): أن فيه عَلَمًا من أعلام النبوّة، وذلك حيث أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقلّة الأنصار، وكثرة الناس، فوقع كما أخبر.