للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المذكورة، والى ذلك الإشارة بقوله: "ثم يفشو الكذب": أي: يكثر.

٦ - (ومنها): أنه استُدِلّ به على جواز المفاضلة بين الصحابة - رضي الله عنهم -، قاله المازريّ (١)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): في إتمام البحث الذي أشرنا إليه آنفًا:

قال في "الفتح": اقتضى هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع، أو الأفراد؟ محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البرّ: والذي يظهر أن من قاتَل مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو في زمانه بأمره، أو أنفق شيئًا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث، والأصل في ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الآية [الحديد: ١٠]، واحتج ابن عبد البرّ بحديث: "ثَل أمتي مثل المطر، لا يُدرَى أوله خير أم آخره"، وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة.

وأغرب النوويّ، فعزاه في "فتاويه" إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف، مع أنه عند الترمذيّ بإسناد أقوى منه، من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار، وأجاب عنه النوويّ بما حاصله: أن المراد: من يشتبه عليه الحال في ذلك، من أهل الزمان الذين يُدركون عيسى ابن مريم -عليهما السلام -، ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام، ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك: أيّ الزمانين خير؟ وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خير القرون قرني"، والله أعلم.

وقد روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين، بإسناد حسن، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُدْرِكَنَّ المسيحُ أقوامًا إنهم لمثلكم، أو خيرٌ ثلاثًا، ولن يخزي الله أمة أنا أولها، والمسيح آخرها".

وروى أبو داود، والترمذيّ من حديث أبي ثعلبة، رفعه: "تأتي أيامٌ


(١) "الفتح" ٨/ ٣١٩، كتاب "فضائل الصحابة" رقم (٣٦٥١).