للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورجاله ثقات، إلا أن جعدة مختلف في صحبته، أفاده في "الفتح" (١).

("ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ، وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ) ببناء الأول للفاعل، والثاني للمفعول. قال في "الفتح": يَحْتَمل أن يكون المراد: التحمّل بدون التحميل، أو الأداء بدون طلب، والثاني أقرب. ويعارضه ما رواه مسلم من حديث زيد بن خالد -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "ألا أُخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسألها". واختَلَف العلماءُ في ترجيحهما، فجنح ابن عبد البرّ إلى ترجيح حديث زيد بن خالد -رضي الله عنه -؛ لكونه من رواية أهل المدينة، فقدّمه على رواية أهل العراق، وبالغ، فزعم أن حديث عمران -رضي الله عنه - هذا لا أصل له. وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران -رضي الله عنه -؛ لاتفاق صاحبَي الصحيح عليه، وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد -رضي الله عنه -. وذهب آخرون إلى الجمع بينهما، فأجابوا بأجوبة:

[أحدها]: أن المراد بحديث زيد مَن عنده شهادة لإنسان بحقّ، لا يَعلَم صاحبها، فيأتي إليه، فيُخبره بها، أو يموت صاحبها العالم بها، ويَخلُف ورثةً، فيأتي الشاهد إليهم، أو إلى من يتحدّث عنهم، فيُعلمهم بذلك. وهذا أحسن الأجوبة، وبهذا أجاب يحيى بن سعيد، شيخ مالك، ومالكٌ، وغيرهما.

[ثانيها]: أن المراد شهادة الْحِسْبَة، وهي ما لا يتعلّق بحقوق الآدميين المختصّة بهم محضًا، ويدخل في الحِسْبة مما يتعلّق بحقّ الله، أو فيه شائبة منه، الْعَتَاق، والوقف، والوصيّة العامّة، والعدّة، والطلاق، والحدود، ونحو ذلك.

وحاصله: أن المراد بحديث عمران -رضي الله عنه -: الشهادة في حقوق الآدميين، والمراد بحديث زيد بن خالد -رضي الله عنه -: الشهادة في حقوق الله تعالى.

[ثالثها]: أنه محمولٌ على المبالغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدّة استعداده لها كالذي أدّاها قبل أن يُسألها، كما يقال في وصف الجواد: إنه لَيُعطي قبل الطلب؛ أي: يُعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقّف.

وهذه الأجوبة مبنيّةٌ على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم أن لا


(١) "الفتح" ٨/ ٣١٩، كتاب "فضائل الصحابة" رقم (٣٦٥٠).