والثاني: أنه لو كان ولده لِصُلبه أو الرابع مِن وَلَد وَلَده، كما زعموا، وأنه كان وزير ذي القرنين، فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا، بل مفرط في الطول والعرض.
وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أنه قال:"خلق الله آدم طوله ستون ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص بعدُ"، وما ذَكَر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة، وهو من أقدم الناس.
الوجه الثالث: أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة، ولم يَنقل هذا أحد.
الوجه الرابع: أنه اتفق العلماء أن نوحًا لمّا نزل من السفينة مات مَن كان معه، ثم مات نَسْلهم، ولم يبق غير نَسْل نوح.
والدليل على هذا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧)} [الصافات: ٧٧]، وهذا يُبطل قول من قال: إنه كان قبل نوح.
الوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحًا أن بَشَرًا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر، ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكورًا في غير موضع؛ لأنه من أعظم آيات الربوبية، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى مَن أحياه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر.
ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان.
والوجه السادس: أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن، أما المقدمة الثانية فظاهرة، وأما الأُولى، فإن حياته لو كانت ثابتة لدلّ عليها القرآن، أو السُّنَّة، أو إجماع الأمة، فهذا كتاب الله تعالى، فأين فيه حياة الخضر؟ وهذه سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه من الوجوه؟ وهؤلاء علماء الأمة، هل أجمعوا على حياته؟.
الوجه السابع: أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته حكايات منقولة يُخبر الرجل بها أنه رأى الخضر، فيالله العجب، هل للخضر علامات يعرفه بها من رآه، وكثير من هؤلاء يغتر بقوله: أنا الخضر، ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله، فأين للرائي أن المخبر له صادق، لا يكذب؟