للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ناهية، ولذا جزم الفعل بعدها، (تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي) الخطاب للصحابة، كما بيّنه سبب الحديث المذكور آنفًا، وقال السيوطيّ: قال العلماء: هذا مشكل الظاهر، من حيث الخطاب، وأجاب جماعة بأنه -صلى الله عليه وسلم- نزّل السابّ منهم؛ لتعاطيه ما لا يليق به منزلة غير الصحابة، قال السبكيّ: الظاهر أن الخطاب فيه لمن صحبه آخرًا بعد الفتح، وقوله: "أصحابي" المراد بهم: من أسلم قبل الفتح، قال: ويُرشد إليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنفق" إلى آخره، مع قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية [الحديد: ١٠] قال: ولا بدّ لنا من تأويله بهذا، أو بغيره؛ ليكون المخاطبون غير الأصحاب الموصَى بهم. انتهى (١).

وقال الكرمانيّ: الخطاب لغير الصحابة من المسلمين المفروضين في العقل، جَعَل من سيوجد كالموجود، ووجودَهم المترقب كالحاضر. انتهى (٢)، وسيأتي تعقّب الحافظ له.

(فَإِنّ أَحَدَكُمْ) قال في "الفتح": فيه إشعار بأن المراد بقوله أوّلًا: "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال: "لو أن أحدكم أنفق"، وهذا كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية [الحديد: ١٠]، ومع ذلك فنَهْيُ بعضِ من أدرك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وخاطبه بذلك عن سبّ من سَبَقه، يقتضي زجر من لم يُدرك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يخاطبه عن سبّ من سبقه من بابِ أَولى، وغَفَل من قال: إن الخطاب بذلك لغير الصحابة، وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل؛ تنزيلًا لمن سيوجد منزلة الموجود؛ للقطع بوقوعه، ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطَب بذلك خالد بن الوليد، وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وغَفَل … إلخ" هذا من الحافظ تعقّب لِمَا سبق عن الكرمانيّ، وهو تعقّب حسنٌ، ولكن العينيّ تعقّبه فيه على عادته في غالب تعقّباته التعصّبية، غفر الله لي، ولهم جميعًا.


(١) "الديباج على مسلم" ٥/ ٤٨٦.
(٢) "عمدة القاري" ١٦/ ١٨٨.
(٣) "الفتح" ٨/ ٣٦١، كتاب "الفضائل" رقم (٣٦٧٣).