للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "القاموس": "النّصفُ": مُثَلَّثَةً: أحد شقّي الشيء، كالنَّصِيف، جَمْعه أَنصافٌ. انتهى.

وقال "الشارح": قوله: "مُثَلّثة": قال شيخنا: أفصحها الكسر، وأقْيسها الضمّ؛ لأنه الجاري على بقيّة الأجزاء؛ كالربع، والخمس، والسدس، ثم الفتح، وقرأ زيد بن ثابت -رضي الله عنه -: {فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] بالضمّ. انتهى باختصار (١).

وقال البيضاويّ: معنى الحديث: لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أُحد ذهبًا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مُدّ طعام، أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص، وصدق النية. قال الحافظ: وأعظمُ من ذلك في سبب الأفضلية عِظَم موقع ذلك؛ لشدة الاحتياج إليه، وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال، كما وقع في الآية: {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: ١٠]، فإن فيها إشارةً إلى موقع السبب الذي ذكرته، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيمًا؛ لشدة الحاجة إليه، وقلة المعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك؛ لأن المسلمين كَثُروا بعد الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم، والله أعلم. انتهى ما في "الفتح" (٢)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا.

وقال النووي في "شرح مسلم" ١٦/ ٩٣: معنى الحديث: لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أَحَد أصحابي مُدًّا، ولا نصف مُدّ، قال القاضي عياض: ويؤيد هذا ما قدمناه في أول "باب فضائل الصحابة" عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع مَن بَعْدهم، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضِيق الحال، بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم-، وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم، وسائر طاعاتهم، وقد قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} الآية [الحديد: ١٠] هذا كله مع ما كان في أنفسهم من


(١) "تاج العروس" ١/ ٦١٣٩.
(٢) "الفتح" ٨/ ٣٦١، كتاب "الفضائل" رقم (٣٦٧٣ - ٣٦٢).