تَحْتَ الشَّجَرَةِ} إلى قوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}[الفتح: ١٨ - ٢٩]، وقوله:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}[التوبة: ١٠٠]، وقوله:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}[الحشر: ٨] إلى غير ذلك، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين" إلى غير ذلك من الأحاديث المتضمّنة للئناء عليهم رضي الله عنهم أجمعين، وعلى هذا فمن تعرَّضَ لسبّهم، وجَحَدَ عظيم حقِّهِم، فقد انسلخ من الإيمان، وقابل الشكر بالكفران، ويكفي في هذا الباب ما رواه الترمذيّ من حديث عبد الله بن مُغَفَّل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتّخِذُوهم غَرَضًا بعدي، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه"، قال الترمذيّ: حديث غريب، وهذا الحديث وإن كان غريب السند، فهو صحيح المتن؛ لأنه معضود بما قدّمناه من الكتاب والسُّنَّة، والمعلوم من دين الأمّة؛ إذ لا خلاف في وجوب احترامهم، وتحريم سبّهم، ولا يُختَلف في أنّ من قال: إنهم كانوا على كفر أو ضلال كافر يُقتَل؛ لأنه أنكر معلومًا ضروريًّا من الشرع، فقد كذّب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبرا به عنهم، وكذلك الحكم فيمن كفّر أحد الخلفاء الأربعة، أو ضلَّلَهم، وهل حُكمه حُكم المرتدّ، فيُستتاب، أو حكم الزنديق فلا يُستتاب، ويُقتل على كل حال؟ هذا مما يُختلَف فيه، فأما من سبّهم بغير ذلك، فإن كان سبًّا يُوجب حدًّا كالقذف حُدّ حَدَّه، ثم يُنَكَّل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه، والإهانة ما خلا عائشة -رضي الله عنها-، فإن قاذفها يُقتَل؛ لأنه مكذّب لِمَا جاء في الكتاب والسُّنَّة من براءتها، قاله مالك وغيره، واختَلف في غيرها من أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقيل: يُقتَل قاذفها؛ لأن ذلك أذًى للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: يُحدّ ويُنَكَّل، كما ذكرناه على قولين، وأما من سبّهم بغير القذف فإنه يُجْلَد الجلدَ الموجع، ويُنكَّل التنكيل الشديدَ، قال ابن حبيب: ويُخلَّد سَجْنه إلى أن يموت، وقد رُوي عن مالك: من سبّ عائشة - رضي الله عنها - قُتِل مطلقًا، ويُمكن حَمْله على السبّ بالقذف. والله تعالى أعلم. انتهى القرطبيّ - رحمه الله - (١).