للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واجتمع عليه أهل الشام، ومصر، والمغرب، وكان ابن الزبير أَولى بالأمر من مروان وابنه على ما قاله مالك - وهو الحقّ - لِعِلم ابن الزبير، وفضله، وبيته، فجرت بينهم حروب وخطوب عظيمة، إلى أن تُوُفّي مروان، ووَلي عبد الملك، واستفحل أمره بالحجاج، فوجّه الحجاج إلى مكة في جيش عظيم، فحاصر فيها عبد الله بن الزبير مدة ستة أشهر وسبعة عشر يومًا، ثم دخل عليه، فقُتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، وقيل: جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، قال المدائني: بويع له بالخلافة سنة خمس وستين، وكان قبل ذلك لا يُدْعَى باسم الخلافة، وقال غيره: بويع له بالخلافة سنة أربع وستين، ثم بقي مصلوبًا على خشبة إلى أن رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان، فرغب إليه أن ينزل الخشبة فأشفعه، فأُنزل، قال ابن أبي مليكة: كنت أوّل من بشّر أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزبير من الخشبة، فدعت بِمِركَن وشَبَّ يمان، وأمرتني بغسله، فكنَّا لا نتناول عضوًا إلا جاء معنا، وكنا نغسل العضو، ونضعه في أكفانه حتى فرغنا منه، وكانت أمه أسماء تقول قبل ذلك: اللَّهُمَّ لا تُمِتني حتى تقرّ عيني بجُثّته، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت، وفي مدة صَلبه مرَّ به ابن عمر فقال: السلام عليك أبا خبيب، كناه بابن له يسمَّى خبيبًا، وكنيته الشهيرة أبو بكر. انتهى (١).

(قَالَ) أبو نوفل: (فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ)؛ أي: قبائل قريش؛ أي: نَفَر منهم، (تَمُرُّ عَلَيْهِ)؛ أي: على جنازته، وهو مصلوب، وقوله: (وَالنَّاسُ) من عَطْف العام على الخاصّ، (حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ) بن الخطّاب - رضي الله عنهما - (فَوَقَفَ عَلَيْه، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أبَا خُبيْبٍ) بحذف حرف النداء، وهو كنية عبد الله بن الزبير.

قال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "أبو خبيب" بضم الخاء المعجمة، كنية ابن الزبير، كُني بابنه خبيب، وكان أكبر أولاده، وله ثلاث كُنى، ذكرها البخاريّ في "التاريخ"، وآخرون: أبو خُبيب، وأبو بكر، وأبو بكير. انتهى (٢).

(السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أبَا خُبَيْبٍ) كرّره لتأكيد التأسّف


(١) "المفهم" ٦/ ٥٠٢ - ٥٠٣.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ٩٨.