جدًّا، فهم بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة، ومنه قوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف: ٢١].
وأورد البيهقيّ هذا الحديث في "كتاب القضاء" في تسوية القاضي بين الخصمين أخذًا بالتأويل الأول، ونقل عن ابن قتيبة: أن الراحلة هي النجيبة المختارة من الإبل للركوب، فإذا كانت في إبل عُرفت، ومعنى الحديث: أن الناس في النسب كالإبل المائة التي لا راحلة فيها، فهي مستوية.
وقال الأزهريّ: الراحلة عند العرب الذَّكَر النجيب، والأنثى النجيبة، والهاء في الراحلة للمبالغة، قال: وقول ابن قتيبة غلطٌ، والمعنى: أن الزاهد في الدنيا، الكامل فيه، الراغب في الآخرة، قليل كقلة الراحلة في الإبل، قال النوويّ: هذا أجود، وأجود منهما قول آخَرين: إن المرضيّ الأحوال من الناس، الكامل الأوصاف قليل.
وقال القرطبيّ: الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس، والحمالات عنهم، ويكشف كَرْبهم، عزيز الوجود، كالراحلة في الإبل الكثيرة.
وقال ابن بطال: معنى الحديث: أن الناس كثير، والمرضيّ منهم قليل، وإلى هذا المعنى أومأ البخاريّ بإدخاله في "باب رفع الأمانة"؛ لأن من كانت هذه صفته، فالاختيار عدم معاشرته.
وأشار ابن بطال إلى أن المراد بالناس في الحديث: من يأتي بعد القرون الثلاثة: الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، حيث يصيرون يَخونون، ولا يؤتمنون. انتهى (١)، وألله تعالى أعلم.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنف) هنا [٦١/ ٦٤٧٨](٢٥٤٧)، و (البخاريّ) في
(١) "الفتح" ١٤/ ٦٦٢ - ٦٦٣، كتاب "الرقائق" رقم (٦٤٩٨).