قال في "الفتح": قوله: قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال:"ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال:"ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال:"ثم أبوك" كذا للجميع بالرفع، ووقع عند مسلم من هذا الوجه وعند البخاريّ في "الأدب المفرد" من وجه آخر بالنصب، وفي آخره:"ثم أباك"، والأول ظاهر، ويُخَرَّج الثاني على إضمار فعل، ووقع صريحًا عند البخاريّ في "الأدب المفرد".
قال الجامع عفا الله عنه: عَزْو رواية النصب إلى مسلم في هذه الرواية لا يخفى ما فيه، فإن نُسخ مسلم الموجودة عندنا كلها بالرفع، وإنما النصب في الرواية التالية، على اختلاف النُّسَخ فيها، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: وهكذا وقع تكرار الأم ثلاثًا، وذِكر الأب في الرابعة، وصَرّح بذلك في الرواية يحيى بن أيوب، ولفظه:"ثم عاد الرابعة، فقال: بِرّ أباك"، وكذا وقع في رواية بَهْز بن حكيم، وزاد في آخره:"ثم الأقرب، فالأقرب"، وله شاهد من حديث خِداش أبي سلامة، رفعه:"أوصى امرءًا بأمه، أوصى امرءًا بامه، أوصى امرءًا بأمه، أوصى امرءًا بأبيه، أوصى امرءًا بمولاه الذي يليه، وإن كان عليه فيه أذى يؤذيه"، أخرجه ابن ماجه، والحاكم. انتهى (١).
وقوله: (وَفِي حَدِيثِ قتيْبَةَ: "مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتي؟ " وَلَمْ يَذْكُرِ النَّاسَ) أشار به إلى اختلاف شيخيه؛ قتيبة، وزهير، فرواه زهير بلفظ:"من أحق الناس بحسن صحابتي؟ "، ورواه قتيبة بلفظ:"من أحقّ بحسن صحابتي؟ " ولم يذكر لفظ "الناس".
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا صرّح مسلم بأن قتيبة لم يذكر لفظ "الناس"، لكن أخرجه البخاريّ في "صحيحه" عن قتيبة بسند مسلم، وفيه اللفظ المذكور، فقال:"من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ "، فلعلّ قتيبة كان الحديث عنده بالوجهين، فحدّث مسلمًا، كما ذَكَره، وحدّث البخاريّ كما ذكره، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٣/ ٤٩٣ - ٤٩٤، كتاب "الأدب" رقم (٥٩٧١).