للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقال له: جريج … " فذكر الحديث، ودلّ ذلك على أنه كان بعد عيسى ابن مريم -عَلَيْهِ السَّلامُ - وأنه كان من أتباعه؛ لأنهم الذين ابتدعوا الترهّب، وحَبْس النفس في الصوامع، قاله في "الفتح" (١).

(يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ) -بفتح، فسكون: معبد النصارى -، قال

المرتضى -رَحِمَهُ اللهُ - (٢): الصَّوْمَعة كَجَوْهَرَةٍ: بيتٌ للنَّصارى، ومَنارٌ للراهِب، كالصَّوْمَع بغيرِ هاءٍ، سُمِّيتْ به لدِقَّةٍ في رأسِها، وقال سيبويه: الصَّوْمَعةُ من الأصْمَع؛ يعني: المُحَدّدَ الطَّرَفِ المُنضَمّ.

ومن غريبِ ما أنشدَنا بعضُ الشيوخ [من مجزؤ الكامل]:

أَوْصَاكَ رَبُّكَ بالتُّقى … وأُولو النُّهى أَوْصَوا مَعَهْ

فاخْتَرْ لنَفسِكَ مَسْجِدًا … تَخْلُو به أو صَوْمَعَهْ

(فَجَاءَتْ أُمُّهُ) لم يُعرف اسمها، (قَالَ حُمَيْدُ) بن هلال الراوي عن أبي رافع: (فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ) نفيع (صِفَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه -؛ أي: وَصْفه (لِصِفَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّهُ)؛ أي: أم جُريج، (حِينَ دَعَتْهُ)؛ أي: وقت دعائها ولدها جُريج، (كَيْفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَيْهِ)؛ أي: إلى جريج؛ حيث كان في محل مرتفع من الصومعة، وقوله: (تَدْعُوهُ) جملة حاليّة (فَقَالَتْ) الأمّ: (يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ)؛ أي: وجدته، حال كونه (يُصَلِّي، فَقَالَ) جريج: (اللَّهُمَّ أُمِّي)؛ أي: هذه المنادية لي هي أمي، فهل أجيبها؟ (وَصَلَاِتِي)؛ أي: وهذه صلاتي، فهل أشتغل بها، وأترك إجابة أُمي؟ (فَاخْتَارَ صَلَاَتَهُ) على إجابة أمه، (فَرَجَعَتْ) الأمّ (ثُمَّ عَادَتْ فِي) المرة (الثَّانِيَةِ) وقد بيّنت في الرواية التالية بأنه اليوم التالي، ولفظه: "فلما كان من الغد"، (فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي، وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاَتهُ، فَقَالَت) ظاهر هذه الرواية أن قولها هذا في المرة الثانية، لكن سيأتي في الرواية التالية أنها دعته ثلاث مرّات، ثم دعت عليه في المرّة الثالثة، (اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ، وَهُوَ ابْنِي، وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ، فَأَبى أَنْ يُكَلِّمَنِي، اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ


(١) "الفتح" ٨/ ٢٩، كتاب "أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٣٦).
(٢) "تاج العروس" ١/ ٥٣٨٠.