وغيره: إنما دعت عليه، فأجيبت؛ لأنه كان يمكنه أن يخفف، ويجيبها، لكن لعله خَشِي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته، والعود إلى الدنيا، وتعلّقاتها. قال الحافظ: كذا قال النوويّ، وفيه نظرٌ؛ لِمَا تقدّم من أنها كانت تأتيه، فيكلمها، والظاهر أنها كانت تشتاق إليه، فتزوره، وتقتنع برؤيته، وتكليمه، وكأنه إنما لم يخفف، ثم يجيبها؛ لأنه خشي أن ينقطع خشوعه، وفي حديث يزيد بن حوشب، عن أبيه:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: لو كان جريج فقيهًا لعلم أن إجابة أمه أَولى من عبادة ربه"، أخرجه الحسن بن سفيان، وهذا إذا حُمِل على إطلاقه استفيد منه جواز قطع الصلاة مطلقًا لإجابة نداء الأم نفلًا كانت، أو فرضًا، وهو وجه في مذهب الشافعيّ، حكاه الرويانيّ، وقال النوويّ تبعًا لغيره: هذا محمول على أنه كان مباحًا في شرعهم، وفيه نَظَر، والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلًا، وعَلِم تأذي الوالد بالترك، وَجَبت الإجابة، وإلا فلا، وإن كانت فرضًا، وضاق الوقت لم تَجِب الإجابة، وإن لم يَضِق وَجَب عند إمام الحرمين، وخالفه غيره؛ لأنها تلزم بالشروع، وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالأم دون الأب، وعند ابن أبي شيبة من مرسل محمد بن المنكدر ما يشهد له، وقال به مكحول، وقيل: إنه لم يقل به من السلف غيره. انتهى (١).
٤ - (ومنها): أن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبًا، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: ٢]، وقد يُجري عليهم الشدائد في بعض الأوقات زيادةً في أحوالهم، وتهذيبًا لهم، فيكون لطفًا.
٥ - (ومنها): استحباب الوضوء، والصلاة عند الدعاء بالمهمات.
٦ - (ومنها): أن الوضوء كان معروفًا في شَرْع من قبلنا، فقد ثبت في هذا الحديث في "صحيح البخاريّ": "فتوضأ، وصلى" وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أنه زعم اختصاصه بهذه الأمة، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ -.
وقال في "الفتح": وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة، خلافًا لمن
(١) "الفتح" ٨/ ٧٢ - ٧٣، كتاب "أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٣٦).