للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا) قال ابن منظور نقلًا عن ابن برّيّ (١): أَصلُ "بَيْنا" "بَيْنَ"، فأُشبعت الفتحة، فصارت أَلِفًا، ويقال: بَيْنا، وبَيْنما، وهما ظرفا زمانٍ، بمعنى المفاجَأَة، ويُضافان إلى جملة من فعلٍ وفاعلٍ، ومبتدأ وخبر، ويحْتاجان إلى جواب، يَتِمُّ به المعنى، قال: والأَفصَح في جوابهما أَن لا يكون فيه "إِذْ"، و"إذا"، وقد جاءا في الجواب كثيرًا، تقول: بَينا زيدٌ جالسٌ دخَل عليه عمرٌو، وإذ دخَل عليه، وإذا دخل عليه، ومنه قول الحُرَقة بنت النُّعمان [من الطويل]:

فَبَيْنا نَسُوسُ النَّاسَ والأَمرُ أَمْرُنا … إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ

فقوله هنا: "فبينا" مضاف إلى قوله: (هُوَ) مبتدأ خبره: "على ذلك الحمار"، وقوله: (يَوْمًا) منصوب على الظرفيّة، متعلّق بما تعلّق به قوله: (عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ)؛ أي: راكب عليه، (إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ) لَمْ يُعرف الأعرابيّ، ولا أبوه، ولا جدّه، (فَقَالَ) ابن عمر - رضي الله عنهما -: (أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ؟، قَالَ) الأعرابيّ: (بَلَى)؛ أي: أنا ابنه، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "بَلَى" حرف إيجاب، فإذا قيل: ما قام زيد، وقلت في الجواب: بَلَى، فمعناه إثبات القيام، وإذا قيل: أليس كان كذا؟ وقلت: بَلَى، فمعناه التقرير، والإثبات، ولا تكون إلَّا بعد نفي، إما في أول الكلام، كما تقدم، وإما في أثنائه، كقوله تعالى: " {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى} الآية [القيامة: ٣، ٤]، والتقدير: بلى نجمعها، وقد يكون مع النفي استفهام، وقد لا يكون، كما تقدم، فهو أبدًا يرفع حكم النفي، ويوجب نقيضه، وهو الإثبات. انتهى (٢).

(فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ)؛ أي: أعطى ابن عمر - رضي الله عنهما - الأعرابيّ ذلك الحمار الذي كان يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَة، (وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وَالْعِمَامَةَ)؛ أي: وأعطاه العمامة التي كان يشدّ بها رأسه. (قَالَ) ابن عمر للأعرابيّ: (اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ) لَمْ يُعرف من هو؟ (غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْه، وَعِمَامَةً كنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ) قال له ذلك توبيخًا، ولومًا على إكثاره العطاء، فإن الأعراب يكفيهم قليل من العطاء. (فَقَالَ) ابن عمر - رضي الله عنهما - ردًّا على هذا التوبيخ: (إِنِّي) بكسر الهمزة؛ لوقوعها في


(١) "لسان العرب" ١٣/ ٦٢.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٦٢.