للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابتداء الكلام (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ)؛ أي: أفضله، وأحسنه، (صِلَةَ الرَّجُلِ) بنصب "صِلةَ" اسمًا لـ "إنّ" مؤخّرًا، وخبرها الجارّ والمجرور قبله، والصلة بكسر الصاد المهملة، مصدرٌ، يقال: وصلته وصلًا، وصِلَةً: ضدّ هَجَرته (١). (أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) بنصب "أهل" على أنه مفعول به لـ "صِلَة"؛ لأنه مصدر يعمل عَمَل فِعله، كما قال في "الخلاصة":

بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ فِي الْعَمَلْ … مُضَافًا أَو مُجَرَّدًا أَو مَعَ "أَلْ"

إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ "أَنْ" أَو "مَا" يَحُلّ … مَحَلَّهُ وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ

وقوله: "أهل وُدّ أبيه": بضم الواو، بمعنى المودّة؛ أي: أصحاب مودّته، ومحبته، (بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ") بتشديد اللام المكسورة: أي: بعد موت الأب، فيندب صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم، وإكرامهم بعد موته، كما هو مندوب قبله، قاله العزيزيّ (٢).

وقال المناويّ: قوله: "أهل وُدّ أبيه" بضم الواو، بمعنى المودّة، وقوله: "بعد أن يولّي الأب": بكسر اللام المشدّدة: أي: يُدبر بموت، أو سفر، قال التوربشتيّ: وهذه الكلمة مما تخبّط الناس فيها، والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى أبيه؛ أي: بعد أن يموت، أو يغيب أبوه، مِنْ وَلَّى يُوَلِّي.

وقال الطيبيّ: وفي "جامع الأصول"، و"المشارق": "يُوَلّي" بضم الياء، وفتح الواو، وكسر اللام المشدّدة، والمعنى: أن من جملة المبرّات الفُضْلَى مَبَرّة الرجل أحباء أبيه، فإن مودة الآباء قرابة الأبناء؛ أي: إذا غاب أبوه، أو مات يحفظ أهل ودّه، ويُحسن إليهم، فإنه من تمام الإحسان إلى الأب. انتهى (٣).

(وَإِنَّ أَبَاهُ)؛ أي: أبا هذا الأعرابيّ (كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ) بن الخطّاب؛ أي: فأحببت وَصْله بما أعطيته؛ عملًا بهذا الحديث.

والحديث من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -، وقد مضى بيان مسائله قبل حديث، ولله الحمد والمنّة.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٦٢.
(٢) "عون المعبود" ١٤/ ٣٦.
(٣) "فيض القدير" ٢/ ٤٠٥.