عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة، عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"إذا حُدّثتم عني حديثًا تعرفونه، ولا تنكرونه، فصدقوه، فإني أقول ما يُعْرَف، ولا يُنكَر، وإذا حُدّثتم عني بحديث تنكرونه، ولا تعرفونه، فلا تصدّقوا به، فإني لا أقول ما يُنْكَر، ولا يُعرَف"، وهذا الحديث معلول أيضًا، وقد اختلفوا في إسناده على ابن أبي ذئب، ورواه الحفاظ عنه، عن سعيد مرسلًا، والمرسل أصحّ عند الأئمة الحفاظ، منهم: ابن معين، والبخاريّ، وأبو حاتم الرازيّ، وابن خزيمة، وقال: ما رأيت أحدًا من علماء الحديث يُثْبت وَصْله.
وإنما تُحمل مثل هذه الأحاديث على تقدير صحتها على معرفة أئمة أهل الحديث الجهابذة النقاد الذين كثرت دراستهم لكلام النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكلام غيره؛ لحال رواة الأحاديث، ونقلة الأخبار، ومعرفتهم بصدقهم، وكذبهم، وضبطهم، وحفظهم، فإن هؤلاء لهم نقد خاصّ في الحديث، مختصون بمعرفته، كما يختص الصيرفيّ الحاذق بمعرفة النقود، جيِّدها، ورديئها، وخالصها، ومَشُوبها، والجوهريّ الحاذق في معرفة الجوهر بانتقاد الجواهر، وكل من هؤلاء لا يمكن أن يعبر عن سبب معرفته، ولا يقيم عليه دليلًا لغيره، وآية ذلك أنه يُعْرَض الحديث الواحد على جماعة، ممن يعلم هذا العلم، فيتفقون على الجواب فيه، من غير مواطأة، وقد امتُحِن هذا منهم غير مرّة، في زمن أبي زرعة، وأبي حاتم، فوُجِد الأمر على ذلك، فقال السائل: أشهد أن هذا العلم إلهام.
قال الأعمش: كان إبراهيم النخعيّ صيرفيًّا في الحديث، كنت أسمع من الرجال، فأَعْرِض عليه ما سمعته.
وقال عمرو بن قيس: ينبغي لصاحب الحديث أن يكون مثل الصيرفيّ الذي ينقُد الدرهم الزائف، والبهرج، وكذا الحديث.
وقال الأوزاعيّ: كنا نسمع الحديث، فنَعْرِضه على أصحابنا، كما نَعرِض الدرهم الزائف على الصيارفة، فما عرفوا أخذنا، وما أنكروا تركنا.
وقيل لعبد الرَّحمن بن مهديّ: إنك تقول للشيء: هذا يصحّ، وهذا لَمْ يثبت، فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد، فأريته دراهمك، فقال: هذا جيّد، وهذا بَهْرَج، أكنت تسأله عن ذلك، أو تُسَلّم الأمر إليه؟ قال: لا، بل كنت أسلم الأمر إليه، فقال: فهذا كذلك؛ لطول المجالسة، والمناظرة، والخبرة.