للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما يريبك … وشرح حديث: "إذا لَمْ تستح فاصنع ما شئت"، شيء يتعلق بتفسير هذه الأحاديث المذكورة هاهنا.

وقد ذكر طوائف من الفقهاء من الشافعية، والحنفية، المتكلمين في أصول الفقه مسألة الإلهام هل هو حجّة أم لا؟ وذكروا فيه اختلافًا بينهم، وذكر طائفة من أصحابنا -يعني: الحنبليّة - أن الكشف ليس بطريق إلى الإحكام، وأخذه القاضي أبو يعلى من كلام أحمد في ذمّ المتكلمين في الوساوس، والخطرات، وخالفهم طائفة من أصحابنا في ذلك، وقد ذكرنا نصًّا عن أحمد هاهنا بالرجوع إلى حَوّاز القلوب، وإنما ذَمّ أحمد وغيره المتكلمين على الوساوس، والخطرات من الصوفية، حيث كان كلامهم في ذلك لا يستند إلى دليل شرعيّ، بل إلى مجرد رأي، وذوق، كما كان يُنكر الكلام في مسائل الحلال والحرام بمجرد الرأي، من غير دليل شرعيّ، فأما الرجوع إلى الأمور المشتبهة إلى حَوّاز القلوب، فقد دلت عليه النصوص النبوية، وفتاوي الصحابة، فكيف ينكره الإمام أحمد بعد ذلك؛ لا سيما، وقد نَصّ على الرجوع إليه موافقة لهم، وقد سبق الحديث: "إن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" (١)، فالصدق يتميز من الكذب بسكون القلب إليه، ومعرفته، وبنفوره عن الكذب، وإنكاره، كما قال الربيع بن خُثيم: إن للحديث نورًا كنور النهار، تعرفه، وظلمةً كظلمة الليل، تُنْكره.

وخرّج الإمام أحمد من حديث ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، عن أبي حميد، وأبي أسيد بأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا سمعتم الحديث عني، تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم، وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني، تُنْكره قلوبكم، وتنفر عنه أشعاركم، وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فانا أبعدكم منه"، وإسناده قد قيل: على شرط مسلم؛ لأنه خرّج بهذا الإسناد بعينه حديثًا، لكن هذا الحديث معلول، فإنه رواه بكرٍ بن الأشجّ عن عبد الملك بن سعيد، عن عباس بن سهل، عن أُبَيّ بن كعب من قوله، قال البخاريّ: هو أصح من يحيى بن آدم،


(١) حديث صحيح.