العمرة، فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحر هَدْيهم، والتحلل من عمرة الحديبية، فكرهوه، وكرهوا مفاوضته لقريش على أنَّ يرجع من عامة، وعلى أنَّ من أتاه منهم يردّه إليهم.
وفي الجملة، فما ورد النصّ به، فليس للمؤمن إلَّا طاعة الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية [الأحزاب: ٣٦]، وينبغي أن يُتَلَقَّى ذلك بانشراح الصدر والرضا، فإن ما شرعه الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب الإيمان، والرضا به، والتسليم له، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]. وأما ما ليس فيه نصّ من الله، ولا رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا عمن يُقتدَى بقوله من الصحابة، وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئنّ قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين، منه شيءٌ، وحَكّ في صدره بشبهة موجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلَّا من يُخْبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثَق بعلمه، وبدينه، بل هو معروف باتباع الهوي، فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره، وإن أفتاه هؤلاء المفتون.
وقد نَصّ الإمام أحمد على مثل هذا أيضًا، قال المروزيّ في "كتاب الورع": قلت لأبي عبد الله: إن القُطَيعة أرفق بي من سائر الأسواق، وقد وقع في قلبي من أمرها شيء، فقال: أمْرها أمر قذر، متلوث، قلت: فتكره العمل فيها؛ قال: دع عنك هذا، إن كان لا يقع في قلبك شيء، قلت: قد وقع في قلبي منها، فقال: قال ابن مسعود: الإثم حَوّاز القلب، قلت: إنما هذا على المشاورة، قال: أي شيء يقع في قلبك؟ قلت: قد اضطرب على قلبي، قال: الإثم هو حوّاز القلوب.
قال ابن رجب - رَحِمَهُ اللهُ -: وقد سبق في شرح حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: "الحلال بَيّن، والحرام بين"(١)، وفي شرح حديث الحسين بن عليّ - رضي الله عنهما -: "دع
(١) تقدّم في "البحر المحيط" برقم [٤١/ ٤٠٨٧] (١٥٩٩) فراجعه تجد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.