الاشتباه، فما سكن إليه القلب، وانشرح إليه الصدر، فهو البرّ، والحلال، وما كان خلاف ذلك، فهو الإثم، والحرام.
وقوله في حديث النوّاس بن سِمعان - رضي الله عنه -: "الإثم ما حاك في الصدر، وكَرِهت أن يطّلع عليه الناس" إشارة إلى أن الإثم ما أَثّر في الصدر حرجًا، وضِيقًا، وقَلَقًا، واضطرابًا، فلم ينشرح له الصدر، ومع هذا فهو عند الناس مستنكر، بحيث ينكرونه عند اطّلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه، وهو ما استنكر الناس فاعله، وغير فاعله.
ومن هذا المعنى قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: ما رآه المؤمنون حسنًا، فهو عند الله حسنٌ، وما رآه المؤمنون قبيحًا فهو عند الله قبيح (١).
وقوله في حديث وابصة، وأبي ثعلبة:"وإن أفتاك المفتون"؛ يعني: أن ما حاك في حدر الإنسان، فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم، فهذه مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكَرًا عند فاعله، دون غيره، وقد جعله أيضًا إثْمًا، وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شُرِح صدره للإيمان، وكان المفتي يفتي له بمجرد ظنّ، أو ميل إلى هوي، من غير دليل شرعيّ، فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعيّ، فالواجب على المستفتي الرجوع إليه، وإن لَمْ ينشرح له صدره، وهذا كالرخصة الشرعية، مثل الفِطْر في السفر، والمرض، وقَصْر الصلاة في السفر، ونحو ذلك، مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال، فهذا لا عبرة به، وقد كان النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحيانًا يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم، فيمتنعون من قوله، فيغضب من ذلك، كما أمرهم بفسخ الحج إلى
(١) نصّ الحديث: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "إن الله - عَزَّ وَجَلَّ - نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالاته، ثم نظر في قلوب العباد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقاتلون عن دينه، فما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا، فهو عند الله سيئ"، رواه أحمد، والبزار، والطبرانيّ، في "الكبير"، قال الحافظ الهيثميّ: ورجاله موثقون. انتهى. "مجمع الزوائد" (١/ ١٧٧)، وصححه الحاكم (٣/ ٧٨ - ٧٩) ووافقه الذهبيّ، وقال الشيخ الألبانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: حسن موقوف. "تخريج الطحاويّة" ٥٣٠.