للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حنفاء، مسلمين، فأتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، فحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يُشركوا بي ما لَمْ أُنَزِّل به سلطانًا وقولِهِ: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصرانه، أو يمجّسانه، كما تُنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟ "، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "اقرأوا إن شئتم: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} الآية [الروم: ٣٠]، ولهذا سَمَّى الله تعالى ما أمره به معروفًا، وما نهى عنه منكرًا، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} الآية [النحل: ٩٠]، وقال تعالى في صفة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الآية [الأعراف: ١٥٧]، وأخبر أن قلوب المؤمنين تطمئنّ بذكره، فالقلب الذي دخله نور الإيمان، وانشرح به، وانفسح سكن للحقّ، واطمأنّ به، ويقبله، وَينْفُر عن الباطل، ويكرهه، ولا يقبله.

وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: أُحَذِّركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ، فقيل لمعاذ: ما يدريني أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: اجتَنِب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يَثنِينّك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلقّ الحقَّ إن سمعته، فإن على الحقّ نورًا. خرّجه أبو داود، وفي رواية له: قال: بل ما تشابه عليك من قول الحكيم حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟.

فهذا يدلّ على أنَّ الحقّ والباطل لا يلتبس أمرهما على المؤمن البصير، بل يَعْرِف الحقّ بالنور عليه، فيقبله قلبه، وينفر عن الباطل، فينكره، ولا يعرفه.

ومن هذا المعنى قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سيكون في آخر الزمان قوم يُحدّثونكم بما لا تسمعون أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم"؛ يعني: أنهم يأتون بما تستنكره قلوب المؤمنين، ولا تعرفه، وفي قوله: "أنتم ولا آباؤكم" إشارة إلى أن ما استقرّت معرفته عند المؤمنين، مع تقادم العهد، وتطاول الزمان، فهو الحقّ، وأن ما أُحدث بعد ذلك، فما يُستنكَر فلا خير فيه.

فدلّ حديث وابصة - رضي الله عنه -، وما في معناه على الرجوع إلى القلوب عند