للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[المائدة: ٢] قد يراد بالإثم: المعاصي، وبالعدوان: ظُلْم الخَلْق، وقد يراد بالإثم: ما هو محرّم في نفسه، كالزنا، والسرقة، وشُرْب الخمر، وبالعدوان: تجاوُز ما أُذن فيه إلى ما نُهي عنه مما جنسه مأذون فيه، كقَتْل ما أبيح قَتْله بقصاص، ومن لا يباح فيه، وأخْذ زيادة على الواجب من الناس في الزكاة ونحوها، ومجاوزة الجَلْد الذي أُمر به في الحدود ونحو ذلك.

والمعنى الثاني من معنى البرّ: أن يراد به فِعْل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة، كقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)} [البقرة: ١٧٧]، وقد رُوي عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن الإيمان، فتلا هذه الآية، فالبرّ بهذا المعنى يدخل فيه جميع الطاعات الباطنة، كالإيمان بالله، وملائكته، وكُتُبه، ورسله، والطاعات الظاهرة، كإنفاق الأموال فيما يحبه الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهد، والصبر على الأقدار، كالمرض، والفقر، وعلى الطاعات؛ كالصبر على لقاء العدوّ.

وقد يكون جواب النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث النّوّاس شاملًا لهذه الخصال كلِّها؛ لأنَّ حُسْن الخُلُق قد يراد به التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله تعالى التي أدّب بها عباده في كتابه، كما قال لرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤]، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: كان خُلُقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن، تعني أنه يتأدّب بآدابه، فيفعل أوامره، ويتجنب نواهيه، فصار العمل بالقرآن له خُلُقًا، كالجبلَّة، والطبيعة، لا يفارقه، وهذا من أحسن الأخلاق، وأشرفها، وأجملها، وقد قيل: إن الدين كلّه خُلُقٌ.

وأما في حديث وابصة، فقال: "البر ما اطمأنّ إليه القلب، واطمأنت إليه النفس"، وفي رواية: "ما انشرح إليه الصدر"، وفسّر الحلال بنحو ذلك، كما في حديث أبي ثعلبة وغيره، وهذا يدلّ على أنَّ الله فَطَر عباده على معرفة الحقّ، والسكون إليه، وقَبوله، ورَكز في الطباع محبة ذلك، والنفور عن ضدّه، وقد يدخل هذا في قوله في حديث عياض بن حِمَار: "إني خَلَقت عبادي