للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقرأ عليّ بن أبي طالب: "إن تُوُلِّيتم أن تفسدوا في الأرض" بضم التاء والواو، وكسر اللام، وهي قراءة ابن أبي إسحاق، ورواها رُوَيس عن يعقوب، يقول: إن وليتكم ولاةً جائرةً خرجتم معهم في الفتنة، وحاربتموهم. انتهى (١).

({إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}) بالبغي، والظلم، والقتل، وقرأ يعقوب، وسلام، وعيسى، وأبو حاتم: "وتَقْطعوا" بفتح التاء، وتخفيف القاف، من القطع، اعتبارًا بقوله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة: ٢٧]، وروى هذه القراءة هارون، عن أبي عمرو، وقرأ الحسن: "وتَقَطَّعوا" مفتوحة الحروف مشدّدة، اعتبارًا بقوله تعالى: " {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء: ٩٣]، والباقون: {وَتُقَطِّعُوا} بضم التاء، مشدّدة الطاء، من التقطيع على التكثير، وهو اختيار أبي عبيد (٢).

({أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ})؛ أي: طردهم، وأبعدهم من رحمته، ({فَأَصَمَّهُمْ}) عن الحق ({وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ})؛ أي: قلوبهم عن الخير، فأتْبَع الإخبار بأن من فعل ذلك حقّت عليه لَعْنته، وسَلَبه الانتفاع بسمعه، وبصره، حتى لا ينقاد للحقّ، وإن سَمِعه، فجعله كالبهيمة التي لا تعقل، وقال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} ثم قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ}، فرجع من الخطاب إلى الغَيْبة على عادة العرب في ذلك (٣).

({أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}؛ أي: يتفهمونه، فيَعْلَمون ما أَعَدَّ اللهُ للذين لَمْ يتولوا عن الإسلام، ({أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}) (محمد: ٢٢ - ٢٤] ")؛ أي: بل على قلوب أقفال، أقفلها الله - عَزَّ وَجَلَّ - عليهم، فهم لا يعقلون، وهذا يَرُدّ على القدرية، والإمامية مذهبهم، وفي حديث مرفوع أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن عليها أقفالًا كأقفال الحديد، حتى يكون الله يفتحها"، وأصل القفل: الْيُبْس والصلابة، ويقال لما يَبِس من الشجر: القَفْل، والقَفِيل مثله، والقفيل أيضًا نَبْت، والقفيل: الصوت، فالأقفال هاهنا إشارة إلى ارتتاج القلب، وخلؤه عن الإيمان؛ أي: لا يدخل قلوبهم الإيمان، ولا يخرج منها الكفر؛ لأنَّ الله تعالى طَبَع على


(١) "تفسير القرطبيّ" ١٦/ ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٢) "تفسير القرطبي" ١٦/ ٢٤٦.
(٣) "تفسير القرطبيّ" ١٦/ ٢٤٦.