({إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}) قال في "الفتح": اختُلف في تأويله، فالأكثر على أنَّها من الولاية، والمعنى: إن وُلِّيتم الحكمَ، وقيل: بمعنى الإعراض، والمعنى: لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحقّ أن يقع منكم ما ذُكِر، والأول أشهر، ويَشهد له ما أخرجه الطبري في "تهذيبه" من حديث عبد الله بن مغفّل، قال: سمعت النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}[محمد: ٢٢] قال: هم هذا الحيّ من قريش، أخذ الله عليهم إن وُلُّوا الناسَ أن لا يفسدوا في الأرض، ولا يقطّعوا أرحامهم" (١).
وقال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر - رَحِمَهُ اللهُ -: اختُلف في معنى "إن توليتم"، فقيل: هو من الولاية، قال أبو العالية: المعنى: فهل عسيتم إن توليتم الحكمَ، فجُعِلتم حُكّامًا أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا؟ وقال الكلبيّ: أي: فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمّة أن تفسدوا في الأرض بالظلم؟ وقال ابن جريجٍ: المعنى: فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي، وقَطْع الأرحام؟ وقال كعب: المعنى: فهل عسيتم إن توليتم الأمر أن يَقتُل بعضُكم بعضًا؟
وقيل: من الإعراض عن الشيء، قال قتادة: أي: فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام، وتقطعوا أرحامكم؟
وقيل: "فهل عسيتم"؛ أي: فلعلكم إن أعرضتم عن القرآن، وفارقتم أحكامه، أن تفسدوا في الأرض، فتعودوا إلى جاهليتكم؟
وقال بكر المزني: إنها نزلت في الحرورية، والخوارج، وفيه بُعد، والأظهر أنه إنما عُني بها المنافقون، وقال ابن حيان: قريش، ونحوه قال المسيب بن شريك، والفراء، قالا: نزلت في بني أمية، وبني هاشم، ودليل هذا التأويل ما رَوَى عبد الله بن مغفّل، قال: سمعت النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}[محمد: ٢٢]، ثم قال: هم هذا الحيّ من قريش، أخذ الله عليهم إن وُلُّوا الناس ألا يفسدوا في الأرض، ولا يقطّعوا أرحامهم".