للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا … وَالنَّفْسُ وَاحِدَةٌ وَالْهَمُّ مُنْتَشِرُ

وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ … لَا يَنْقَضِي الْعُمْرُ حَتَّى يَنْتَهِي الْأَثَرُ

وأصله مِن أَثَر مَشْيِهِ في الأرض، فإن من مات لا يبقى له حركة، فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر.

وقال النوويّ رحمه الله: "ينسأ" مهموز: أي: يؤخر، والأثر: الأجل؛ لأنه تابع للحياة في أثرها، وبَسْط الرزق: توسيعه، وكثرته، وقيل: البركة فيه (١).

(فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ") قال ابن التين رحمه الله: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: ٣٤]، والجمع بينهما من وجهين:

أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر.

وحاصله أن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة، والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذِّكر الجميل، فكأنه لم يمت.

ومن جملة ما يحصل له من التوفيق: العلمُ الذي يُنتفع به مِن بعده، والصدقة الجارية عليه، والخَلَف الصالح.

ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملَك الموكل بالعمر، وأما الأول الذي دلّت عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملَك مثلًا: إن عمر فلان مائة مثلًا إن وَصَل رَحِمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله تعالى أنه يَصِل، أو يَقطع، فالذي في علم الله لا يتقدّم، ولا يتأخر، والذي في علم المَلَك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩]، فالمحو والإثبات بالنسبة لِمَا في علم المَلَك، وما في أم الكتاب هو الذي في عِلم الله تعالى، فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرَم،


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١٤ - ١١٥.