[قلت]: هذه أولًا معارضة بمثلها، وذلك قوله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠]، ومثل ذلك ما في الحديث الصحيح القدسيّ:"يا عبادي إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
وثانيًا: بإمكان الجمع بحمل مثل قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ}، وقوله:{إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} على عدم التسبّب من العبد بأسباب الخير، من الدعاء، وسائر أفعال الخير، وحَمْل ما ورد فيما يخالف ذلك على وقوع التسبّب بأسباب الخير الموجبة لحسن القضاء، واندفاع شرّه، وعلى وقوع التسبّب بأسباب الشرّ المقتضية لإصابة المكروه، ووقوعه على العبد.
وهكذا يكون الجمع بين الأحاديث الواردة بسبق القضاء، وأنه فُرغ من تقدير الأجل، والرزق، والسعادة، والشقاوة، وبين الأحاديث الواردة في صلة الرحم بأنها تزيد في العمر، وكذلك سائر أعمال الخير، وكذلك الدعاء، فتُحمل أحاديث الفراغ من القضاء على عدم تسبّب العبد بأسباب الخير، أو الشرّ.
وتُحمل الأحاديث الأخرى على أنه قد وقع من العبد التسبّب بأسباب الخير، من الدعاء، والعمل الصالح، وصلة الرحم، أو التسبّب بأسباب الشرّ.
[فإن قلت]: قد تقرّر بالأدلّة من الكتاب والسُّنَّة بأن عمله عز وجل أزليّ، وأنه قد سبق في كل شيء، ولا يصحّ أن يقدّر وقوع غير ما قد علمه، وإلا انقلب العلم جهلًا، وذلك لا يجوز إجماعًا؟.
[قلت]: عِلْمه عز وجل سابق أزليّ، وقد علم ما يكون قبل أن يكون، ولا خلاف بين أهل الحقّ من هذه الحيثيّة، ولكنه غلا قوم، فأبطلوا فائدة ما ثبت في الكتاب والسُّنَّة، من الإرشاد إلى الدعاء، وأنه يردّ القضاء، وما ورد من الاستعاذة منه - صلى الله عليه وسلم - من سوء القضاء، وما ورد من أنه يُصاب العبد بذنبه، وبما كسبت يداه، ونحو ذلك، مما جاءت به الأدلّة الصحيحة (١)، وجعلوه مخالفًا
(١) فقد أخرج أحمد وغيره، من حديث ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفعه إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يردّ القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البرّ، وإن العبد لَيُحْرم الرزق بالذنب يصيبه"، حسّنه الترمذيّ، وصححه ابن حبّان، وكذا حسّنه الألبانيّ.