البلاء، ويردّ القضاء"، وفيها: "الدعاء مخّ العبادة" (١)، وفيها الاستعاذة من سوء القضاء، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في "الصحيح" أنه قال: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وجهد البلاء، وشماتة الأعداء"، وثبت في حديث قنوت الوتر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَقِني شرّ ما قضيت"، فلو كان الدعاء لا يفيد شيئًا، وأنه ليس للإنسان إلا ما قد سبق في القضاء الأزليّ لكان أمْره عز وجل بالدعاء لغوًا لا فائدة فيه، وكذلك وَعْده بالإجابة للعباد الداعين له، وهكذا يكون ما ثبت في الأحاديث المتواترة المشتملة على الأمر بالدعاء، وأنه عبادة لغوًا لا فائدة فيه، وهكذا تكون استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من سوء القضاء لغوًا لا فائدة فيه، وهكذا يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقني شرّ ما قضيت" لغوًا لا فائدة فيه، وهكذا يكون أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتداوي، وأن الله سبحانه وتعالى ما أنزل داء إلا وجعل له دواء لغوًا لا فائدة فيه، مع ثبوت الأمر بالتداوي في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -.
[فإن قلت]: فعلام يُحمل ما تقدّم من الآيات القاضية بأن الأجل لا يتقدّم، ولا يتأخّر، ومن ذلك قوله عز وجل:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف: ٣٤]؟.
[قلت]: قد أجاب عن ذلك بعض السلف، وتَبعَه بعض الخلف بأن هذه الآية مختصّة بالأجل إذا حضر، فإنه لا يتقدّم، ولا يتأخَّر عند حضوره، ويؤيّد هذا أنها مقيّدة بذلك، فإنه قال:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}[المنافقون: ١١]، وقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ}[نوح: ٤]، فقد أمكن الجمع بحمل هذه الآيات على هذا المعنى، فإذا حضر الأجل لا يتأخّر، ولا يتقدّم، وفي غير هذه الحالة يجوز أن يؤخّره الله بالدعاء، أو بصلة الرحم، أو بفعل الخير، ويجوز أن يقدّمه لمن عمل شرًّا، أو قَطَع ما أمر الله به أن يوصل، أو انتهك محارم الله سبحانه وتعالى.
[فإن قلت]: فعلام يُحمل نحو قوله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)} [الحديد: ٢٢]، وقوله سبحانه وتعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة: ٥١]، وكذلك سائر ما ورد في هذا المعنى؟.
(١) ضعيف، رواه الترمذيّ برقم (٣٣٧١)، وفي سنده ابن لهيعة: متكلّم فيه.