والثاني: ما بقي من عمر كل أحد، وقيل: الأول: أجَلُ الموت، والثاني: أجل الحياة في الآخرة. وقيل: المراد بالأول: ما بين خلق الإنسان إلى موته، والثاني: ما بين موته إلى بعثه، وقيل غير ذلك مما فيه مخالفة للنظم القرآنيّ.
وقال جمع من أهل العلم: إن العمر يزيد وينقص، واستدلّوا بالآية المتقدّمة، فإن المحو والإثبات عامّان يتناولان العمر والرزق، والسعادة والشقاوة، وغير ذلك.
وقد ثبت عن جماعة من السلف من الصحابة، ومَنْ بعدهم أنهم كانوا يقولون في أدعيتهم: اللَّهُمَّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة، فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني، وأثبتني في أهل السعادة.
ولم يأت القائلون بمنع زيادة العمر ونقصانه، ونحو ذلك بما يُخصّص هذا العموم، وهكذا تدلّ على هذا المعنى الآية الثانية، فان معناها أنه لا يطول عمر إنسان، ولا ينقص إلا وهو في كتاب؛ أي: في اللوح المحفوظ، وهكذا يدلّ قوله سبحانه وتعالى:{ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أن للإنسان أجلين يقضي الله سبحانه وتعالى له بما يشاء منهما من زيادة أو نقص، ويدلّ على ذلك أيضًا ما في "الصحيحين" وغيرهما عن جماعة من الصحابة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن صلة الرحم تزيد في العمر، وفي لفظ في "الصحيحين": "من أحبّ أن يُبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فَلْيَصِلْ رَحِمه"، وفي لفظ:"من أحبّ أن يمدّ الله في عمره، وأجله، ويبسط في رزقه، فليتّق الله، وليصل رحمه"، وفي لفظ:"صلة الرحم، وحسن الخُلُق، وحسن الجوار، يعمّران الديار، ويزيدان في الأعمار".
ومن أعظم الأدلّة: ما ورد في الكتاب العزيز من الأمر للعباد بالدعاء، كقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠]، وقوله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل: ٦٢]، وقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦]، وقوله:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٣٢].
والأحاديث المشتملة على الأمر بالدعاء متواترة، وفيها: "إن الدعاء يدفع