للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بها، وعَلِمَها قبل أن تكون، فعِلْمه على كل تقدير أزليّ في المسبّبات والأسباب، ولا يشكّ من له اطلاع على كتاب الله عز وجل ما اشتمل عليه من ترتيب حصول المسبّبات على حصول أسبابها، كما في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١]، وقوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)} [نوح: ١٠ - ١٢]، وقوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧]، وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)} [الصافات: ١٤٣، ١٤٤]، وكم يعدّ العادّ من أمثال هذه الآيات القرآنيّة، وما ورد موردها من الأحاديث النبويّة، وهل ينكر هؤلاء الغلاة مثل هذا، ويجعلونه مخالفًا لسبق العلم، مباينًا لأزليّته؟، فإن قالوا: نعم، فقد أنكروا ما في كتاب الله عز وجل من فاتحته إلى خاتمته، وما في السُّنَّة المطهّرة من أولها إلى آخرها، بل أنكروا أحكام الدنيا والآخرة جميعًا؛ لأنها كلّها مسبّبات مترتبة على أسبابها، وجزاءات معلّقة بشروطها، ومن بلغ إلى هذا الحدّ في الغباوة، وعدم تعقّل الحجة لم يستحقّ المناظرة، ولا ينبغي معه الكلام فيما يتعلّق بالدِّين، بل ينبغي إلزامه بإهمال أسباب ما فيه صلاح معاشه، وأمر دنياه حتى ينتعش من غفلته، ويستيقظ من نومته، ويرجع عن ضلالته، وجهالته، والهداية بيد ذي الجلال والقوّة، لا خير إلا خيره.

ثم يقال لهم: هذه الأدعية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دواوين الإسلام، وما يلتحق بها من كتب السُّنَّة المطهّرة، فقد علم كل من له علم أنها كثيرة جدًّا بحيث لا يحيط بأكثرها إلا مؤلّف بسيط، ومصنّف حافل، وفيها استجلاب الخير، وفي أخرى استدفاع الشرّ، وتارة متعلّقة بأمور الدنيا، وتارة بأمور الآخرة، ومن ذلك تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لأمته ما يدعون به في صلواتهم، وعَقِب صلواتهم، وفي صباحهم ومسائهم، وفي ليلهم ونهارهم، وعند نزول الشدائد بهم، وعند حصول نِعَم الله لهم، هل كان كل هذا منه - صلى الله عليه وسلم - لفائدة عائدة عليه، وعلى أمته بالخير جالبةً لِمَا فيه مصلحة، دافعةً لِمَا فيه مفسدة؟.

فإن قالوا: نعم، قلنا لهم: فحينئذ لا خلاف بيننا وبينكم، فإن هذا