الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: ٦٢]، ثم يأمرهم بسؤاله من فضله بقوله:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٣٢].
فإن قالوا: إن هذا الدعاء الذي أمرنا الله به، وأرشدنا إليه، وجعل تَرْكه استكبارًا، وتوعّد عليه بدخول النار مع الذّلّ، ورغّب عباده إلى دعائه، وعرّفهم أنه قريب، وأنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وأنكر عليهم أن يعتقدوا أن غيره يجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف ما نزل بهم من السوء، وأمرهم أن يسألوه من فضله، ويطلبوا ما عنده من الخير أن كل ذلك لا فائدة فيه للعبد، وأنه لا ينال إلا ما قد جرى به القضاء، وسَبَق به العلم، فقد نسبوا إلى الربّ عز وجل ما لا يجوز عليه، ولا يحلّ نسبته إليه، فإنه لا يأمر العبد إلا بما فيه فائدة يُعتدّ بها، ولا يرغّبه إلا إلى ما يحصل له به الخير، ولا يرهّبه إلا عما يكون به عليه الضير، ولا يَعِده إلا بما هو حقّ يترتّب عليه فائدة، فهو صادق الوعد، لا يخلف الميعاد، ولا يأمرهم بسؤاله من فضله إلا وهناك فائدة تحصل بالدعاء، ويكون بسببه التفضّل عليهم، ورَفْع ما هُمْ فيه من الضرّ، وكَشْف ما حلّ بهم من السوء، هذا معلوم لا يشكّ فيه إلا من يعقل (١) حجج الله، ولا يفهم كلامه، ولا يدري بخير ولا شرّ، ولا نفع، ولا ضرّ، ومن بلغ به الجهل إلى هذه الغاية، فهو حقيق بأن لا يُخاطب، وقمين بأن لا يناظَر، فإن هذا المسكين المتخبّط في جهله المتقلّب في ضلالته قد وقع فيما هو أعظم خطرًا من هذا، وأكثر ضررًا منه، وذلك بأن يقال له: إذا كان دعاء الكفّار إلى الإسلام، ومقاتلتهم على الكفر، وغزوهم إلى عُقر ديارهم لا يأتي بفائدة، ولا يعود على القائمين به من الرسل، وأتباعهم، وسائر المجاهدين من العباد بفائدة، وأنه ليس هناك إلا ما سَبَق من علم الله عز وجل، وأنه سيدخل في الإسلام، ويهتدي إلى الدين من قد علم الله سبحانه وتعالى منه ذلك، سواء قوتل، أو لم يقاتَل، وسواء دُعي إلى الحقّ، أو لم يُدْعَ إليه كان هذا القتال الصادر من رسل الله، وأتباعهم ضائعًا، ليس فيه إلا تحصيل الحاصل، وتكوين ما هو كائن، فعلوا، أو تركوا، وحينئذ يكون الأمر بذلك عبثًا، تعالى الله عز وجل عن ذلك.
(١) كذا النسخة، والظاهر أن الصواب: إلا من لا يعقل … إلخ، فسقطت "لا" سهوًا، والله تعالى أعلم.