للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يَسْلَم منها أحد: الطيرة، والظنّ، والحسد قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "إذا تطيّرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تُحَقِّق، وإذا حسدت فلا تَبْغ وعن الحسن البصريّ قال: ما من آدميّ إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء. انتهى (١).

(وَلَا تَدَابَرُوا)؛ أي: لا تفعلوا فعل المتباغضَين اللذين يُدْبِر كلُّ واحد منهما عن الآخر؛ أي: يولّيه دُبُره فِعْل المُعْرِض.

وقال الخطابيّ رحمه الله: معناه: لا تتهاجروا، فيهجرَ أحدكم أخاه، مأخوذ من تولية الرجل الآخر دُبُره؛ إذا أعرض عنه حين يراه.

وقال ابن عبد البرّ: قيل للإعراض: مدابرةٌ؛ لأن من أبغض أعرض، ومن أعرض وَلَّى دُبُره، والمحبّ بالعكس، وقيل: معناه: لا يستأثر أحدكم على الآخر، وقيل للمستأثر: مستدبر؛ لأنه يولِّي دُبُره حين يستأثر بشيء دون الآخر.

وقال المازريّ: معنى التدابر: المعاداة، يقال: دابرته: أي: عاديته.

وحَكَى عياض: أن معناه: لا تجادلوا، ولكن تعاونوا، والأول أَولى.

وقد فسَّره مالك في "الموطأ" بأخصّ منه، فقال - إذ ساق حديث الباب، عن الزهريّ بهذا السند -: ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام، يُدْبر عنه بوجهه، وكأنه أخذه من بقية الحديث: "يلتقيان، فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، فإنه يُفْهَم أن صدور السلام منهما، أو من أحدهما يرفع ذلك الإعراض، ويؤيّده ما أخرجه الحسين بن الحسن المروزيّ في زيادات "كتاب البرّ والصلة" لابن المبارك بسند صحيح، عن أنس، قال: التدابر: التصارم. انتهى (٢).

(وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ)؛ أي: يا عباد الله، ففيه حَذْف حرف النداء، وهو جائز في سعة الكلام، قال الحريريّ رحمه الله في "ملحته":

وَحَذْفُ "يَا" يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ … كَقَوْلِهِمْ "رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي"

وقال في "الخلاصة":


(١) "الفتح" ١٣/ ٦٢٨.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٦٢٨.