للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥ - (ومنها): تحريم هجر المسلم أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام، وهذا إذا كان للحظوظ النفسيّة، وأما إذا كان لأمر دينيّ، فيهجره حتى يتوب منه، كما نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن كلام كعب بن مالك، وصاحبيه -رضي الله عنهم - حتى تِيْبَ عليه بمضيّ خمسين ليلة، قال البغويّ رحمه الله: فأما النهي عن الهجران أكثر من ثلاث، إنما كان في هجران الرجل أخاه لعَتْب ومَوْجِدة، أو لِنَبْوَة تكون منه، فرُخّص له في مدّة الثلاث؛ لقلّتها، وحُرّم ما وراءها، فأما هجران الوالد الولد، والزوج الزوجة، ومن كان في معناهما، فلا يُضيّق أكثر من ثلاث، وقد هَجَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرًا، هذا قول الخطّابيّ، قال البغويّ: فأما هجران أهل العصيان، وأهل الرِّيَب في الدِّين، فشُرع إلى أن تزول الريبة عن حالهم، وتظهر توبتهم، قال كعب بن مالك -رضي الله عنه- حين تخلّف عن غزوة تبوك: ونَهَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.

قال الجامع عفا الله عنه: ثم بعد كتابتي هذه الفوائد رأيت كلامًا للإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البرّ رحمه الله شمل ما تقدّم ولخّصه في سياق واحد، فقال رحمه الله:

وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يَحِلّ التباغض؛ لأن التباغض مَفسدة للدِّين، حالقة له، ولهذا أمَر - صلى الله عليه وسلم - بالتوادّ، والتحابّ، حتى قال: "تهادَوا تحابوا"، ورَوَى مالك عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيِّب يقول: "ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة، والصدقة؟ "، قالوا: بلى، قال: "إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضة، فإنها هي الحالقة"، وكذلك لا يحل التدابر، والتدابر: الإعراض، وتَرْك الكلام، والسلام، ونحو هذا، وإنما قيل للإعراض تدابُر؛ لأن مَنْ أبغضتَه أعرضتَ عنه، ومن أعرضت عنه ولَّيته دُبُرك، وكذلك يصنع هو بك، ومن أحببته أقبلت عليه، وواجهته؛ لتسرّه ويسرّك، فمعنى تدابروا، وتقاطعوا، وتباغضوا، معنى متداخل متقارب، كالمعنى الواحد في الندب إلى التواخي، والتحابّ، فبذلك أمَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معنى هذا الحديث وغيره، وأمرُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوجوب، حتى يأتي دليل يُخرجه إلى


(١) "شرح السُّنَّة" ١٠/ ٣٥٨.