للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معنى الندب، وهذا الحديث، وإن كان ظاهره العمومَ، فهو عندي مخصوص بحديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- حيث أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يهجروه، ولا يكلِّموه هو وهلال بن أمية، ومُرارة بن الربيع؛ لتخلّفهم عن غزوة تبوك، حتى أنزل الله عز وجل توبتهم، وعُذْرهم، فأمَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يراجعوهم الكلام.

وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يَهجُر المرء أخاه إذا بَدَتْ له منه بدعة، أو فاحشة، يرجوأن يكون هجرانه تأديبًا له، وزجرًا عنها، والله أعلم.

وكذلك قوله أيضًا في هذا الحديث: "لا تحاسدوا" يقتضي النهي عن التحاسد، وعن الحسد في كل شيء على ظاهره، وعمومه، إلا أنه أيضًا عندي مخصوص بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار"، هكذا رواه عبد الله بن عمر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

وروى ابن مسعود عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به ليله، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلّمها"، فكأنه - صلى الله عليه وسلم -على ترتيب الأحاديث، وتهذيبها قال: لا حسد، ولكن الحسد ينبغي أن يكون في قيام الليل والنهار بالقرآن، وفي نفقة المال في حقّه، وتعليم العلم أهله. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله، وهو بحثٌ مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تحقيقات نفيسات في شرحه لهذا الحديث، أحببت إيرادها هنا لكثرة فوائدها، وغزارة عوائدها، وإن كان بعضها مضى، إلا أن له اليد الطولى في تحقيق المسائل، لا يوجد عند غيره من المحقّقين، فذكرتها بمسائل مكمِّلة لِمَا سبق، فقلت (١):

(المسألة الرابعة): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تباغضوا" نَهْيٌ للمسلمين عن التباغض


(١) وأنقل التخريجات التي في الهامش للشيخ شعيب الأرناؤوط وصاحبه باختصار، وبعض زيادات، فليُتنبّه.