بينهم في غير الله تعالى،. بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله تعالى إخوة، والإخوة يتحابّون بينهم، ولا يتباغضون، وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة، حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلمتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"، خرّجه مسلم، وقد حرّم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} [المائدة: ٩١]، وامتنّ على عباده بالتأليف بين قلوبهم، كما قال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران: ١٠٣]، وقال: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: ٦٢، ٦٣].
ولهذا المعنى حُرِّم المشي بالنميمة؛ لِمَا فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، ورُخِّص في الكذب في الإصلاح بين الناس، ورَغَّب الله في الإصلاح بينهم، كما قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعْرُوفٍ أَو إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)} [النساء: ١١٤]، وقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات: ٩]، وقال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال: ١].
وخرّج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال:"إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة"(١).
وخرّج الإمام أحمد وغيره، من حديث أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها-، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"ألا أنبئكم بشراركم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال:
(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد ٦/ ٤٤٤ - ٤٤٥، وأبو داود (٤٩١٩)، والترمذيّ (٢٥٠٩)، وصححه ابن حبّان في "صحيحه" (٥٠٩٢).