للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت" (١).

وأما البغض في الله فهو من أوثق الإيمان عُرًى، وليس داخلًا في النهي، ولو ظهر لرجل من أخيه شرّ فأبغضه عليه، وكان الرجل معذورًا فيه في نَفْس الأمر، أُثيبَ المُبْغِض له، وإن عُذر أخوه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: إنا كنا نعرفكم إذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انطُلِق به، وانقَطَع الوحي، وإنما نَعْرِفكم بما نَخْبُركم، ألا من أظهر منكم لنا خيرًا ظننا به خيرًا، وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرًّا، ظننا به شرًّا، وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم عز وجل (٢).

وقال الربيع بن خُثيم: لو رأيت رجلًا يُظهر خيرًا، ويُسِرّ شرًّا أحببته عليه، آجرك الله على حبك الخير، ولو رأيت رجلًا يُظهر شرًّا، ويُسرّ خيرًا أبغضته عليه، آجرك الله على بغضك الشرّ.

ولَمّا كَثُر اختلاف الناس في مسائل الدِّين، وكَثُر تفرُّقهم كَثُر بسبب ذلك تباغُضهم، وتلاعُنهم، وكلٌّ منهم يُظهر أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر معذورًا، وقد لا يكون معذورًا، بل يكون مُتّبِعًا لهواه، مُقَصِّرًا في البحث عن معرفة ما يُبغض عليه، فإن كثيرًا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحقّ، وهذا الظنّ خطأ قطعًا، وإن أريدَ أنه لا يقول إلا الحقّ فيما خولف فيه، فهذا الظنّ قد يخطئ، ويصيب، وقد يكون الحامل على الميل مجرد الهوى، والألفة، أو العادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن يَنصح لنفسه، ويتحرز في هذا غاية التحرز، وما أشكل منه فلا يُدخل نفسه فيه؛ خشيةَ أن يقع فيما نُهِي عنه من البغض المحرّم.


(١) حديث حسنٌ، وضعّفه بعضهم بشهر بن حوشب، وقد قدّمنا غير مرّة أن الصحيح أنه ثقة، غاية ما فيه أنه لا ينقص عن درجة الحسن، كما قال الذهبيّ، فتنبّه، والله وليّ التوفيق.
(٢) رواه أحمد ١/ ٤٦، وأبو يعلى (١٩٦) ورجاله ثقات رجال الصحيح، غير أبي فراس النهديّ راويه عن عمر، فقد ذكره ابن حبّان في "الثقات" ٥/ ٥٨٥، وقال ابن سعد في "الطبقات": كان شيخًا قليل الحديث، وقال أبو زرعة: لا أعرفه.