للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مستروحًا إلى تمنّي زوال نعمة أخيه، فهذا شبيه بالعزم المصمّم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلاف بين العلماء، لكن هذا يبعد أن يَسْلَم من البغي على المحسود بالقول، فيأثم، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن يكون مثله، فإن كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك، كما قال الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} الآية [القصص: ٧٩]، وإن كانت فضائل دينية، فهو حسن، وقد تمنى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الشهادة في سبيل الله عز وجل.

وفي "الصحيحين" عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٍ آتاه الله مالًا، فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار، ورجلٍ آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار"، وهذا هو الغِبْطة، وسمّاه حسدًا من باب الاستعارة.

وقِسْم آخر إذا وَجَد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإبداء الإحسان إليه، والدعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وَجَد له في نفسه من الحسد، حتى يبدله بمحبته أن يكون المسلم خيرًا منه، وأفضل، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يُحبّ لأخيه ما يحب لنفسه. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله (١)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(المسألة السادسة): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تدابروا": قال أبو عبيد: التدابر: المصارمة، والهجران، مأخوذ من أن يولّي الرجل صاحبه دُبُره، ويُعرض عنه بوجهه، وهو التقاطع، وفي "الصحيحين" عن أبي أيوب -رضي الله عنه-، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، فيصدّ هذا، ويصدّ هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

وخرّج أبو داود من حديث أبي خِرَاش السلميّ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من هجر أخاه سنةً، فهو كسفك دمه" (٢).


(١) "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٢٦٠ - ٢٦٣.
(٢) صحيح، رواه أبو داود، وأحمد، والبخاريّ في "الأدب المفرد"، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ.