للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجانب، والناحية، قاله النوويّ رحمه الله (١).

وقال في "المشارق": "فيصدّ هذا، ويصدّ هذا": أي: يُعْرِض كل واحد منهما عن صاحبه، ويصرف وجهه عنه، كما قال في الرواية الأخرى: "فيُعْرِض هذا، ويعرض هذا"، والصّدّ: الْهِجران، كأنه يُعرِض عنه، ويولّيه صُدّه، وهو جانبه، وهو معنى يُعرض أيضًا، والعراض: الجانب. انتهى (٢).

(وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ") زاد الطبريّ من طريق أخرى، عن الزهريّ: "يسبق إلى الجنة"، ولأبي داود بسند صحيح، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "فإن مرَّت به ثلاث، فلقيه، فليسلِّم عليه، فإن ردّ عليه فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ عليه، فقد باء بالإثم، وخَرَج المسلِّم من الهجرة"، ولأحمد والبخاريّ في "الأدب المفرد"، وصححه ابن حبان، من حديث هشام بن عامر: "فإنهما ناكثان عن الحقّ ما داما على صِرامهما، وأوّلُهما فَيْئًا يكون سَبْقه كفارة"، فذكر نحو حديث أبي هريرة، وزاد في آخره: "فإن ماتا على صِرامهما، لم يدخلا الجنة جميعًا" (٣).

وقوله أيضًا: (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ")؛ أي: هو أفضلهما، قال النوويّ: وفيه دليل لمذهب الشافعيّ، ومالك، ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة، ويرفع الإثم فيها، ويزيله، وقال أحمد، وابن القاسم المالكيّ: إن كان يؤذيه لم يقطع السلامُ هجرته، قال أصحابنا -الشافعيّة-: ولو كاتَبَه، أو راسله عند غيبته عنه، هل يزول إثم الهجرة؟ فيه وجهان: أحدهما لا يزول؛ لأنه لم يكلّمه، وأصحّهما يزول؛ لزوال الوحشة، والله أعلم. انتهى (٤).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وخيرهما إلخ" هذا يدلّ على أن مجرد السلام يُخرج عن الهجرة، وإن لم يكلّمه، وهو قول مالك وغيره، وقال أحمد، وابن الق. اسم: إن كان يؤذيه فلا يقطع السلامُ هجرته، وعندنا أنه إن اعتزل كلامه لم تُقبل شهادته عليه، ومعناه: أن الذي يبادر بقطع الهجرة، فيسبق


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١٧.
(٢) "مشارق الأنوار" ٢/ ٤٠.
(٣) "الفتح" ١٣/ ٦٤٩، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٧٧).
(٤) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١٧ - ١١٨.