للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حين تَخَلّفوا عن غَزْوة تَبوك، أمَر بِهِجْرانِهم خَمْسين يَوْمًا، وقد هَجَر - صلى الله عليه وسلم - نِساءَه شَهرًا، وهَجَرت عائشة ابنَ الزُّبَير -رضي الله عنهما - مُدَّة، وَهَجر جَمَاعةٌ من الصحابة جَماعةً منهم، وماتُوا مُتَهاجِرِين، ولعلّ أحَدَ الأمْرَيْن مَنْسُوخٌ بالآخَر. انتهى كلام ابن الأثير (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "منسوخ بالآخر" هذا غير صحيح، بل الحقّ أنه يُحمل على أن هجران هؤلاء بعضهم لبعض كان لأمر دينيّ، لا دنيويّ حَسَب اجتهادهم، وإن لم يكن كذلك عند الآخرين، فهذا هو وجه الجمع بين الأخبار، والله تعالى أعلم.

(فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) ظاهره إباحة ذلك في الثلاث، وهو من الرفق؛ لأن الآدميّ في طبعه الغضب، وسوء الخُلُق، ونحو ذلك، والغالب أنه يزول، أو يقلّ في الثلاث.

(يَلْتَقِيَانِ) قال الطيبيّ رحمه الله: فإن قلت: ما موقع قوله: "يلتقيان"، وقوله: "وخيرهما"؟ قلت: الجملة الأُولى بيانيّة، استئنافيّة، بيان لكيفيّة الهجران، والثانية عَطْف على الأُولى من حيث المعنى؛ لِمَا يُفهم منها أن ذلك الفعل ليس بخير، ويجوز أن تكون الأُولى حالًا من فاعل "يهجر"، ومفعوله معًا، نحو قول الشاعر [من الوافر]:

مَتَى مَا نَلْتَقِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ … رَوَانِفُ (٢) أَلْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا

وعلى هذا فالثانية معطوفة على قوله: "لا يحلّ". انتهى (٣).

(فَيُعْرِضُ هَذَا) عن أخيه المسلم، (وَيُعْرِضُ هَذَا) الآخر كذلك، وفي رواية: "فيصُدّ هذا، ويصُدّ هذا" وهو بضمّ الصاد، ومعنى يصدّ: يُعرض؛ أي: يولّيه عُرضه، بضم العين، وهو جانبه، والصّدّ بضم الصاد (٤)، وهو أيضًا


(١) "النهاية في غريب الأثر" ٥/ ٥٥٧.
(٢) الرانفة: أسفل الألية، وطرفها الذي يلي الأرض من الإنسان إذا كان قائمًا. اهـ. "لسان" ٩/ ١٢٧.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٠/ ٣٢٠٩.
(٤) قال في "القاموس": الصدّ بالفتح، ويُضَمّ: الجبل، وهو ناحية الوادي. اهـ. ص ٧٣١.