للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ليذهب ذلك العارض، وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاث، وهذا على مذهب من يقول: لا يُحتجّ بالمفهوم، ودليلِ الخطاب. انتهى (١).

٢ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام، وردّه، وقال أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أوّلًا، وقال أيضًا: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام، وكذا قال ابن القاسم، وقال عياض: إذا اعتزل كلامه لم تُقبل شهادته عليه عندنا، ولو سَلَّم عليه؛ يعني: وهذا يؤيّد قول ابن القاسم.

قال الحافظ: ويمكن الفرق بأن الشهادة يُتَوَقَّى فيها، وتَرْك المكالمة يُشعر بأن في باطنه عليه شيئًا، فلا تُقبل شهادته عليه، وأما زوال الهجرة بالسلام عليه بعد تَرْكه ذلك في الثلاث، فليس بممتنع.

واستَدَلّ للجمهور بما رواه الطبرانيّ من طريق زيد بن وهب، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- في أثناء حديث موقوف، وفيه: "ورجوعه أن يأتي، فيسلِّم عليه".

٣ - (ومنها): ما قاله في "الفتح" أيضًا: استُدِلّ بقوله: "أخاه" على أن الحكم يختص بالمؤمنين، وقال النوويّ: لا حجة في قوله: "لا يحل لمسلم" لمن يقول: الكفار غير مخاطَبين بفروع الشريعة؛ لأن التقييد بالمسلم لكونه الذي يقبل خطاب الشرع، وينتفع به، وأما التقييد بالأخُوّة فدالّ على أن للمسلم أن يهجر الكافر من غير تقييد.

٤ - (ومنها): أنه استُدِلّ بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم، وامتنع من مكالمته، والسلام عليه أثم بذلك؛ لأن نفي الحلّ يستلزم التحريم، ومرتكب الحرام آثم، قال ابن عبد البرّ: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث، إلا لمن خاف من مكالمته ما يُفسد عليه دينه، أو يُدخل منه على نفسه، أو دنياه مضرّةً، فإن كان كذلك جاز، ورُبّ هَجْر جميل خير من مخالطة مؤذية، قاله في "الفتح" (٢).

[فائدة]: استُشكل كون هجران الفاسق، أو المبتدِع مشروعًا ولا يُشرع


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١٧.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٦٤٩، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٧٧).