للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خواطر، لا يمكن دَفْعها، وما لا يُقْدَر عليه لا يكلَّف به، ويؤيده حديث: "تجاوز الله للأمة عما حدّثت به أنفسها"، وقد تقدّم شرحه.

وقال القرطبيّ: المراد بالظن هنا: التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم رجلًا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها، ولذلك عَطَف عليه قوله: "ولا تجسسوا"، وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة، فيريد أن يتحقق، فيتجسس، ويبحث، ويستمع، فنُهي عن ذلك، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢]، فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لِتقدُّم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظانّ: أبحث لأتحقق، قيل له: ولا تجسسوا، فإن قال: تحققت من غير تجسس، قيل له: ولا يغتب بعضكم بعضًا. انتهى (١).

(فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) قد استُشكِل تسمية الظنّ حديثًا، وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع، سواء كان قولًا أو فعلًا، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: ما ينشأ عن الظنّ، فوصف الظنّ به مجازًا. (وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا) قال النوويّ: الأول بالحاء، والثاني بالجيم، قال بعض العلماء: التحسس بالحاء: الاستماع لحديث القوم، وبالجيم: البحث عن العورات، وقيل: بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرّ، والجاسوس صاحب سرّ الشرّ، والناموس صاحب سرّ الخير، وقيل: بالجيم أن تَطلبه لغيرك، وبالحاء أن تطلبه لنفسك، قاله ثعلب، وقيل: هما بمعنًى، وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة، والأحوال. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "ولا تحسسوا، ولا تجسسوا" إحدى الكلمتين بالجيم، والأخرى بالحاء المهملة، وفي كل منهما حذف إحدى التاءين تخفيفًا، وكذا في بقية المناهي التي في حديث الباب، والأصل: تتحسسوا، قال الخطابيّ: معناه: لا تبحثوا عن عيوب الناس، ولا تتبعوها، قال الله تعالى


(١) "الفتح" ١٣/ ٦٢٥ - ٦٢٦، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٦٤).
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١٩.