للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حاكيًا عن يعقوب عليه السلام: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} الآية [يوسف: ٨٧]، وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسّة، إحدى الحواسّ الخمس، وبالجيم من الجسّ، بمعنى اختبار الشيء باليد، وهي إحدى الحواسّ، فتكون التي بالحاء أعمّ، وقال إبراهيم الحربيّ: هما بمعنى واحد، وقال ابن الأنباريّ: ذُكِر الثاني للتأكيد، كقولهم: بُعْدًا، وسحقًا، وقيل: بالجيم البحث عن عوراتهم، وبالحاء استماع حديث القوم، وهذا رواه الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير، أحد صغار التابعين، وقيل: بالجيم البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرّ، وبالحاء البحث عما يُدرك بحاسة العين والأذن، ورجح هذا القرطبيّ، وقيل: بالجيم تتبّع الشخص لأجل غيره، وبالحاء تتبّعه لنفسه، وهذا اختيار ثعلب.

ويُستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعيَّن طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلًا، كأن يخبر ثقةٌ بأن فلانًا خلا بشخص ليقتله ظلمًا، أو بامرأة ليزني بها، فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك؛ حَذَرًا من فوات استدراكه، نَقَله النوويّ عن "الأحكام السلطانية" للماورديّ، واستجاده، وأن كلامه ليس للمحتسِب أن يبحث عما لم يظهر من المحرّمات، ولو غلب على الظنّ استسرار أهلَها بها، إلا هذه الصورة. انتهى (١).

(وَلَا تَنَافَسُوا)؛ أي: لا تتبارَوْا في الحرص على الدنيا، وأسبابها، وأما التنافس في الخير فمأمور به، كما قال تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦]؛ أي: في الجنة وثوابها، وكأنّ المنافسة هي الغبطة، وقد أبعد من فسّرها بالحسد، لا سيما في هذا الحديث، فإنه قد قَرَن بينها وبين الحسد في مساق واحد، فدلّ على أنهما أمران متغايران. انتهى (٢).

وقال النوويّ: المنافسة، والتنافس معناهما الرغبة في الشيء، وفي الانفراد به، ونافسته منافسةً: إذا رَغْبتَ فيما رَغِب فيه، قيل: معنى الحديث: التباري في الرغبة في الدنيا، وأسبابها، وحظوظها. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ١٣/ ٦٢٥ - ٦٢٦.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٣٥.
(٣) "شرح النوويّ" ١٦/ ١١٩.