قال الجامع عفا الله عنه: هذا الإسناد هو الذي مرّ قبل حديث.
وقوله:(لَا تَهَجَّرُوا) كذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها:"لا تهاجروا"، وهما بمعنى واحد، وكلاهما بفتح التاء، حُذف منهما إحدى التاءين، كما تقدّم البحث فيه، والمراد: النهي عن الهِجْرة، ومقاطعة الكلام، وقيل: يجوز أن يكون: لا تَهْجُروا: أي: لا تتكلموا بالْهُجْر، بضم الهاء، وهو الكلام القبيح.
وقوله:(وَلَا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) قال الحافظ ابن رجب رحمه اللهُ: قد تكاثر النهي عن ذلك، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يبيع المؤمن على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه"، وفي رواية لمسلم:"لا يَسُم المسلم على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبته"، وخرّجاه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له"، ولفظه لمسلم، وخرّج مسلم من حديث عقبة بن عامر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتى يَذَرَ".
قال: وهذا دليل على أن هذا حقّ المسلم، فلا يساويه الكافر في ذلك، بل يجوز للمسلم أن يبتاع على بيع الكافر، ويخطب على خِطبته، وهو قول الأوزاعيّ، وأحمد، كما لا يثبت للكافر على المسلم حقّ الشفعة عنده، وكثير من الفقهاء ذهبوا إلى أن النهي عامّ في حقّ المسلم والكافر، واختلفوا هل النهي للتحريم، أو التنزيه؟ فمن أصحابنا -يعني: الحنبليّة- من قال: هو للتنزيه دون التحريم، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه للتحريم، واختلفوا هل يصح البيع على بيع أخيه، والنكاح على خطبته، فقال أبو حنيفة؟ والشافعيّ، وأكثر أصحابنا: يصحّ، وقال مالك في النكاح: إنه إن لم يدخل بها فُرِّق بينهما، وإن دخل بها لا يفرّق، وقال أبو بكر من أصحابنا في البيع والنكاح: إنه باطل على كل حال، وحكاه عن أحمد.
ومعنى البيع على بيع أخيه: أن يكون قد باع منه شيئًا، فيبذل للمشتري سلعته؛ ليشتريها، ويفسخ بيع الأول، وهل يختصّ ذلك بما إذا كان البذل في مدة الخيار، بحيث يمكن المشتري من الفسخ فيه أم هو عامّ في مدة الخيار