قال بعضهم (١): معنى هذا الحديث: أن الله تعالى لا ينظر إلى قوّة أجسادكم، وصوركم الحسنة، وإنما ينظر إلى أعمالكم الظاهرة والباطنة جميعًا، فأشار بقوله:"إلى قلوبكم" إلى الأعمال الباطنة، كما أشار بقوله:"وأعمالكم" إلى الأعمال الظاهرة.
والحاصل أن من حَسُن عمله رضي الله تعالى عنه، سواء كان نحيف الجسم، دميم الصورة، ومن ساء عمله سَخِط الله تعالى منه، سواء كان قويّ الجسم، حَسَن الصورة.
فلا مجال في هذا الحديث لمن ادّعى أن المطلوب من الإنسان تزكيته للقلب فقط، ولا عبرة بأفعاله الظاهرة، فيفعل في ظاهره ما يشاء، كما تفوّه بذلك بعض الملاحدة، وجهلة المتصوّفة؛ لأن نصوص الكتاب والسُّنَّة مُطبِقة على كون الإنسان مكلّفًا بتصحيح أعماله الظاهرة، والواقع أن الأعمال الظاهرة لا تفسد إلا بفساد القلب، فهي علامة على فساد باطنه، وقد بيّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى أتمّ بيان حيث قال:"ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب"، ففساد الأعمال الظاهرة دليل على فساد القلب؛ لأنهما متلازمان، لا ينفكّ أحدهما عن الآخر.
فلو لم يكن للأعمال الظاهرة قيمة واعتبار في الشرع لَمَا ذَكَر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وأعمالكم" عَقِب قوله: "إلى قلوبكم"، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - قَرَن بينهما، فدلّ على المطلوب من المكلّف إصلاح الباطن والظاهر جميعًا.
وكذلك لا يخفى بطلان قول من يستدلّ بهذا الحديث على أن الأجساد والصور لا يتعلّق بها حكم شرعيّ، فيجوز للمرء أن يختار لتزيين جسده، وتحسين صورته ما شاء من طريق؛ كحلق اللحية، وإسبال الشارب، ونحو ذلك، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - أمَر بإعفاء اللحية، وإحفاء الشارب، وتقليم الأظفار، ونهى عن إسبال الثوب، ولَعَن الواشمات، والمستوشمات، والنامصات،
والمتنمّصات، والمتفلجات، فكل هذا ونحوه من الأعمال التي هي محل نَظَر الله تعالى؛ كنَظَره للقلب بلا فرق.