للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قيل: هذه الإضافة إضافة تشريف، وإكرام؛ إذ الظلال كلها مُلكه تعالى، وخَلْقه.

قال القرطبيّ: وأَولى من هذا التأويل أنه يعني به ظل العرش، كما قد جاء في رواية أخرى، فيعني -والله تعالى أعلم-: أن في القيامة ظلالًا بحسب الأعمال الصالحة، تقي صاحبها من وَهَج الشمس، ولَفْح النار، وأنفاس الخَلْق، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس" (١)،

ولكن ظل العرش أعظم الظلال، وأشرفها، فيخصّ الله به من يشاء من صَالِح عباده، ومن جملتهم المتحابون لجلال الله.

[فإنْ قيل]: كيف يقال: في القيامة ظلالٌ بحسب الأعمال، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه"، وهو ظلّ العرش المذكور في الحديث؟.

[قلنا]: يمكن أن يقال: كل ظل في القيامة إنما هو له؛ لأنَّه بخلقه، واختراعه، بحسب ما يريده تعالى، من إكرام من يخصّه به، فعلى هذا يكون كل واحد من هؤلاء السبعة في ظل يخصه، وكلّها ظل الله، لا ظل غيره؛ إذ ليس لغيره هنالك ظل، ولا يقدر له على سَبَب.

ويَحْتَمِل أن يقال: إنَّه ليس هنالك إلا ظل واحد، وبه يستظلّ المؤمنون، لكن لمّا كان الاستظلال بذلك الظلّ لا يُنال إلا بالأعمال الصالحات، نُسِب لكل عمل ظلّ؛ لأنه به وَصَل إليه، والله تعالى أعلم.

وهذا كلّه بناءٌ على أن الظلال حقيقةٌ، لا مجازٌ، وهو قول جمهور العلماء. وقال عيسى بن دينار: إن معناه: يُكِنهم من المكاره، ويجعلهم في كَنَفه، وسِتره، كما يقول: أنا في ظلّك؛ أي: في ذُراك، وسِترك. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الصواب ما قاله الجمهور من أن الظلال على ظاهرها، فإن النصوص الكثير واضحة في ذلك، فلا داعي لدعوى المجاز فيها، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.


(١) حديث صحيح، رواه أحمد، وابن حبّان، وابن خزيمة، وغيرهم.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٤٢ - ٥٤٣.