للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:

أنه من سُداسيّات المصنّف رحمه الله، وأنه مسلسل بالبصريين غير شيخه فبغداديّ، والصحابيّ، فمدنيّ، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة -رضي الله عنه-، وقد مرّ القول فيه غير مرّة.

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ) أضاف المرض إليه، والمراد مرض العبد تشريفًا له وتقريبًا، (فَلَمْ تَعُدْني)؛ أي: لم تزرني، بمعنى لم تزر عبدي المريض. (قَالَ) ابن آدم: (يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ، وَأنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟) حالٌ مقررٌ للإشكال الذي تضمّنه معنى "كيف أي: أن العيادة إنما هي للمريض العاجز، وذلك على المالك الحقيقيّ محال، فكيف أعودك، وأنت القادر القاهر القويّ المتين؟

(قَالَ) الله تعالى: (أَمَا) بفتح الهمزة، وتخفيف الميم: أداة استفتاح وتنبيه؟ كـ"ألا(عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ، فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ)؛ أي: وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته، ويدلّ على هذا قوله تعالى في تمام الحديث: "لو أطعمته لوجدت ذلك عندي"، "أَبُو سقيته لوجدت ذلك عندي"؛ أي: ثوابه، قاله النوويّ (١).

وقيل: هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن، والتعريف بحظوته عند ربه، وحثٌّ للخلْق على مواصلة العمل لذاته تعالى، والتحبب إليه، والإحسان لوجهه، فأخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة لله تعالى، من حيث إنها إنما فُعِلت لوجهه، والمجازُ والاستعارةُ في كلامهم باب واسع (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا تنزّل في الخطاب، ولُطف في العِتاب، ومقتضاه التعريف بعظيم فضل ذي الجلال، وبمقادير ثواب هذه الأعمال، ويستفاد منه أن الإحسان للعبيد، إحسان للسادة، فينبغي لهم أن يعرفوا ذلك، وأن يقوموا بحقه. انتهى (٣).


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٢٦.
(٢) "فيض القدير" ٢/ ٣١٣.
(٣) "المفهم" ٦/ ٥٥١.