للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ، فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ) ابن آدم: (يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ، وَأَنتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟)؛ أي: كيف أطعمك؟ والإطعام إنما يَحتاج إليه الضعيف الذي يتقوّى به، فيقيم به صُلْبه، ويُصلح به عَجْزه، وأنت مربّي العالمين؟ (قَالَ) الله عز وجل: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ، لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي) قيل: قال في العيادة: "لوجدتني عنده"، وفي الإطعام، وكذا السقي: "لوجدت ذلك عندي" إشارةً إلى أن الزيارة، والعيادة أكثر ثوابًا منهما، وقال السبكيّ رحمه الله: سرّ ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد، بل يأتي الناس إليه، فناسب قوله: "لوجدتني عنده" بخلاف ذينك، فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس (١).

(يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ)؛ أي: طلبت منك أن تسقيني ماءً (فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟)؛ أي: كيف أسقيك، وإنما يظمأ ويحتاج للشرب العاجز المسكين المحتاج لتعديل أركانه، وطبيعته، وأنك غنيّ، منزهٌ، متعالٍ عن ذلك كله؟ (قَالَ) الله عز وجل: (اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تَسْقِه، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ، وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي")؛ أي: وجدت ثوابه عندي.

وقال الكَلاباذي رحمه الله: جعل الله أوصاف المؤمنين صفته، فقال: "مرضت"، و"استسقيتك"، و"استطعمتك"؛ لأن الوصلة إذا استحكمت، والمودة إذا تأكدت، صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر، وكل ما فعله الحبيب فهو يَسُرّ حبيبه، ألا ترى قيسًا المجنون كان إذا أراد أن يَسْكن ما به ذُكِرت له ليلى، فينجلي ما هو فيه، ويتكلم بأحسن كلام، فيقال له: أتحب ليلى؟ فيقول: لا، فيقال: لم؟ فيقول: المحبة ذريعة الوصلة، وقد وقعت الوصلة، فسقطت الذريعة، فأنا ليلى، وليلى أنا، وقال [من الرمل]:

أَنَا مَنْ أَهْوَى وَمَنْ أَهْوَى أَنَا … نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا

فَإِذَا أَبْصَرْتُنِي أَبْصَرْتُهُ .... وَإِذَا أَبْصَرْتُهُ كُنْتُ أَنَا

[تتمة]: سئل بعضهم عن تنزلات الحقّ في إضافة الجوع والظمأ لنفسه،


(١) "فيض القدير" ٢/ ٣١٣.