للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أيضًا في "درء تعارض العقل والنقل": (أما النصوص التي يزعمون أن ظاهرها كفر، فإذا تدبرت النصوص وجدتها قد بيّنت المراد، وأزالت الشبهة، فإن الحديث الصحيح لفظه: "عبدي مرضت فلم تَعُدْني، فيقول: كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض؟ فلو عُدْتَه لوجدتني عنده"، فنفس ألفاظ الحديث نصوص في أن الله نفسه لا يمرض، وإنما الذي مرض عبده المؤمن، ومثل هذا لا يقال: ظاهره أن الله يمرض، فيحتاج إلى تأويل؛ لأن اللفظ إذا قُرن به ما يُبيِّن معناه كان ذلك هو ظاهره؛ كاللفظ العامّ؛ إذا قُرن به استثناء، أو غاية، أو صفة؛ كقوله: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤]، وقوله: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢]، ونحو ذلك، فإن الناس متفقون على أنه حينئذ ليس ظاهره ألفًا كاملة، ولا شهرين سواءٌ كانا متفرقين، أو متتابعين) (١).

ولمّا احتَجَّ بعض الاتحادية بهذا الحديث ردّ عليهم شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة "الرد الأقوم على ما في كتاب فصوص الحكم"، فقال: فقوله: "جعت ومرضت" لفظ اتحاد يثبت الحقّ. وقوله: "لوجدتني عنده ووجدت ذلك عندي" نفي للاتحاد العيني بنفي الباطل وإثبات لتمييز الرب عن العبد. وقوله: "لوجدتني عنده" لفظ ظرف؛ وبكل يثبت المعنى الحقّ من الحلول الحقّ؛ الذي هو بالإيمان لا بالذات، ويفسّر قوله: "مرضت فلم تَعُدْني" فلو كان الرب عين المريض والجائع لكان إذا عاده وإذا أطعمه يكون قد وجده إياه وقد وجده قد أكله، وفي قوله في المريض: "وجدتني عنده" وفي الجائع: "لوجدت ذلك عندي" فرقان حسن؛ فان المريض الذي تُستحب عيادته ويجد الله عنده: هو المؤمن بربه الموافق لإلهه الذي هو وليّه؛ وأما الطاعم فقد يكون فيه عموم لكل جائع يُستحب إطعامه، فإن الله يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: ٢٤٥] فمن تصدق بصدقة واجبة أو مستحبة: فقد أقرض الله سبحانه بما أعطاه لعبده. وقد ثبت في "الصحيح" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا


(١) "درء تعارض العقل والنقل" ٥/ ٢٣٥، ٢٣٦.